كأنه هداية فيها؛ لأنه بفنه حكم عليها، فيكون قوة وتنبيهًا، وتسهيلًا وإيضاحًا، وإبلاغًا وهداية؛ ويكون رجلًا وإنه لمعانٍ كثيرة، ويكون في نفسه وإنه لفي الأنفس كلها، ويعطي من إجلال الناس ما يكون به اسمه كأنه خلق من الحب طريقه على العقل لا على القلب.
ولعل ذلك من حكمة إقامة الخليفة في الإسلام ووجوب ذلك على المسلمين؛ فلا بد على هذه الأرض من ضوء في لحم ودم، وبعض معاني الخليفة في تنصيبه كبعض معاني "الشهيد المجهول" في الأمم المحاربة المنتصرة المتمدنة: رمز التقديس، ومعنى المفاداة، وصمت يتكلم، ومكان يوحي، وقوة تستمد، وانفراد بجمع، وحكم الوطنية على أهلها بأحكام كثيرة في شرف الحياة والموت؛ وبل الحرب مخبوءة في حفرة، والنصر مغطى بقبر؛ بل المجهول الذي فيه كل ما ينبغي أن يعلم.
فعصرنا هذا مضطرب مختل؛ إذ لا إمام فيه يجتمع الناس عليه، وإذ كل من يزعم نفسه إمامًا هو من بعض جهاته كأنه أبو حنيفة ولكن بغير فقه!
ولعمري ما نشأ قولهم:"الجديد والقديم" إلا لأن ههنا موضعًا خاليًا يظهر خلاؤه مكان الفصل بين الناحيتين ويجعل جهة تنماز من جهة، فمنذ مات الإمام الكبير الشيخ محمد عبده -رحمه الله- جرت أحداث، ونتأت رءوس، وزاغت طبائع وكأنه لم يمت رجل، بل رفع قرآن.