للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاضل مدير الجامعة المصرية -وهي التي دعته إلى إلقاء محاضرته- قال: نعم وحبًا وكرامة، إنه لا يستقيم في العقل أن تدعو هذه الجامعة شاعرًا روحانيًّا مثلي إلا وهي فلك نير يعده الله من نجومه، وما أحسب أستاذ آدابها العربية إلا تلك الذرة اللؤلؤية التي كانت تجاورني في طينة الخلق الأزلية، فلو أن الذرات الثماني التي كانت حولنا خلقت في عصرنا هذا وتوزعت على الأمم الفلسفية لكنا وإياها كوصايا الله العشر في هذا العصر المادي ... ولملأنا طياتها إيمانًا بالله، ولصار الله -تعالى- في أرضه عشر آلات سماوية لاسلكية بينه وبين الخلق، تباهي الجامعة المصرية بأن فيها إحداها ... لقد نغص علي هذه الشيخوخة أني لم أتعلم العربية، وكيف لي بأن أرتل أناشيد أستاذ الآداب في الجامعة المصرية لأستمتع بألحانه السماوية في شعره وأغانيه، وأسمع الملائكة من هذه المئذنة الإنسانية في الجامعة تهتف بكلمة الإسلام الرهيبة صارخة بحقيقة الوجود في الوجود: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله ...

قال شيطاني: وكان شيطان الدكتور طه حسين أستاذ الجامعة حاضرًا معنا، فلما ألمَّ بما في نفس طاغور قال لي: حقًّا إن من الخير أن لا يعرف هذا الهندي اللغة العربية؛ لأنه لو عرف اللغة العربية لما أرضته اللغة العربية ولا أداب اللغة العربية ولا أستاذ آداب اللغة العربية! فقلت: اسكت ويحك ودع الرجل في أحلامه، ولا تكن غيمة سمائه المشرقة؛ أما تراه يحلم، أما سمعته يقول: "والحقيقة من حيث هي جمال ليس يعدله جمال؛ ألست ترى إلى صورة هذه المرأة العجوز أبدعها فنان ماهر، إنك تنظر إلى الصورة فتقر بجمالها، ولكن المرأة العجوز التي فيها ليست على شيء من الجمال؛ لكنما جمال الصورة أنها تمثل هذه المرأة العجوز على حقيقتها*"، فهذه كلمات في سبحات النور، وهي من لغة السماء ذات الكواكب لا من لغة النفس ذات العواطف؛ وإلا فهل يصح في العقل أن تصوير العجوز التي اضطرب ميزان الخلق فيها حتى لا يزن منها إلا بقايا الخلقة وأنقاض العمر وخرائب المرأة ... يكون بما يظهر من شوهتها وتهدمها وتشنن جلدها وموت ظاهرها -جمالًا في الصورة؛ لأنه قبيح في الأصل؟ أفليس لو كان


* هذه العبارة مما ترجمته السياسة من محاضرة طاغور، وإذا قيل إن الصناعة في نقل الصورة محكمة فليس معنى ذلك أن الصورة جميلة، والمعنى الذي يرمي إليه الشاعر معروف وقد كتبناه في "السحاب الأحمر" ولكنه أخطأ في العبارة عنه أو أخطأت الترجمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>