والتاسع: أن الطبخ لا يؤثر فيها؛ لأنه للمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها، إلا أنه لا يحد فيه ما لم يسكر منه على ما قالوا؛ لأن الحد بالقليل في النيء خاصة، لما ذكرنا وهذا قد طبخ.
والعاشر: جواز تخليلها وفيه خلاف الشافعي وسنذكره من بعد إن شاء الله تعالى، هذا هو الكلام في الخمر.
وأما العصير إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه وهو المطبوخ أدنى طبخة ويسمى الباذق والمنصف وهو ما ذهب نصفه بالطبخ فكل ذلك حرام عندنا إذا غلى واشتد وقذف بالزبد أو إذا اشتد على الاختلاف وقال الأوزاعي: إنه مباح، وهو قول بعض المعتزلة؛ لأنه مشروب طيب وليس بخمر ولنا أنه رقيق ملذ مطرب ولهذا يجتمع عليه الفساق فيحرم شربه دفعا للفساد المتعلق به.
وأما نقيع التمر وهو السكر وهو النيء من ماء التمر: أي الرطب فهو حرام مكروه وقال شريك بن عبد الله: إنه مباح لقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}[النحل:٦٧] امتن علينا به، وهو بالمحرم لا يتحقق ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم، ويدل عليه ما روينا من قبل، والآية محمولة على الابتداء إذ كانت الأشربة مباحة كلها، وقيل أراد به التوبيخ، معناه والله أعلم: تتخذون منه سكرا وتدعون رزقا حسنا.
وأما نقيع الزبيب: وهو النيء من ماء الزبيب فهو حرام إذا اشتد وغلى ويتأتى فيه خلاف الأوزاعي، وقد بينا المعنى من قبل، إلى أن حرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها، ويكفر مستحل الخمر؛ لأن حرمتها اجتهادية، وحرمة الخمر قطعية، ولا يجب الحد بشربها حتى يسكر، ويجب بشرب قطرة من الخمر، ونجاستها خفيفة في رواية وغليظة في أخرى، ونجاسة الخمر غليظة رواية واحدة، ويجوز بيعها، ويضمن متلفها عند أبي حنيفة خلافا لهما فيهما؛ لأنه مال متقوم، وما شهدت دلالة قطعية بسقوط تقومها، بخلاف الخمر، غير أن عنده يجب قيمتها لا مثلها على ما عرف، ولا ينتفع بها بوجه من الوجوه؛ لأنها محرمة وعن أبي يوسف أنه يجوز بيعها إذا كان الذاهب بالطبخ أكثر من النصف دون الثلثين.
"وقال في الجامع الصغير: وما سوى ذلك من الأشربة فلا بأس به" قالوا: هذا الجواب