قالوا: والأصح أنه يحد، فإنه روي عن محمد فيمن سكر من الأشربة أنه يحد من غير تفصيل، وهذا؛ لأن الفساق يجتمعون عليه في زماننا اجتماعهم على سائر الأشربة، بل فوق ذلك، وكذلك المتخذ من الألبان إذا اشتد فهو على هذا وقيل: إن المتخذ من لبن الرماك لا يحل عند أبي حنيفة اعتبارا بلحمه؛ إذ هو متولد منه قالوا: والأصح أنه يحل؛ لأن كراهة لحمه لما في إباحته من قطع مادة الجهاد أو لاحترامه فلا يتعدى إلى لبنه.
قال:"وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه حلال وإن اشتد" وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد ومالك والشافعي: حرام، وهذا الخلاف فيما إذا قصد به التقوي، أما إذا قصد به التلهي لا يحل بالاتفاق وعن محمد مثل قولهما، وعنه أنه كره ذلك، وعنه أنه توقف فيه لهم في إثبات الحرمة قوله عليه الصلاة والسلام:"كل مسكر خمر" وقوله عليه الصلاة والسلام: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" ويروى عنه عليه الصلاة والسلام: "ما أسكر الجرة منه فالجرعة منه حرام" ولأن المسكر يفسد العقل فيكون حراما قليله وكثيره كالخمر ولهما قوله عليه الصلاة والسلام: "حرمت الخمر لعينها" ويروى "بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب" خص السكر بالتحريم في غير الخمر؛ إذ العطف للمغايرة، ولأن المفسد هو القدح المسكر وهو حرام عندنا وإنما يحرم القليل منه؛ لأنه يدعو لرقته ولطافته إلى الكثير فأعطي حكمه، والمثلث لغلظه لا يدعو وهو في نفسه غذاء فبقي على الإباحة: والحديث الأول غير ثابت على ما بيناه، ثم هو محمول على القدح الأخير إذ هو المسكر حقيقة والذي يصب عليه الماء بعد ما ذهب ثلثاه بالطبخ حتى يرق ثم يطبخ طبخة حكمه حكم المثلث؛ لأن صب الماء لا يزيده إلا ضعفا، بخلاف ما إذا صب الماء على العصير ثم يطبخ حتى يذهب ثلثا الكل؛ لأن الماء يذهب أولا للطافته، أو يذهب منهما فلا يكون الذاهب ثلثي ماء العنب ولو طبخ العنب كما هو ثم يعصر يكتفى بأدنى طبخة في رواية عن أبي حنيفة، وفي رواية عنه لا يحل ما لم يذهب ثلثاه بالطبخ، وهو الأصح؛ لأن العصير قائم فيه من غير تغير فصار كما بعد العصر، ولو جمع في الطبخ بين العنب والتمر أو بين التمر والزبيب لا يحل حتى يذهب ثلثاه لأن التمر إن كان يكتفى فيه بأدنى طبخة فعصير العنب لا بد أن يذهب ثلثاه فيعتبر جانب العنب احتياطا، وكذا إذا جمع بين عصير العنب ونقيع التمر لما قلنا.
ولو طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة ثم أنقع فيه تمر أو زبيب، إن كان ما أنقع فيه شيئا يسيرا لا يتخذ النبيذ من مثله