للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماله، إلا أن أبا حنيفة يقول: إن المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بعقد أو بشبهة، ولم يوجد في حق الجاني فلا يغرم شيئا.

قال: "ومن ضرب رجلا مائة سوط فجرحه فبرئ منها فعليه أرش الضرب" معناه: إذا بقي أثر الضرب، فأما إذا لم يبق أثره فهو على اختلاف قد مضى في الشجة الملتحمة.

قال: "ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله خطأ قبل البرء فعليه الدية وسقط عنه أرش اليد" لأن الجناية من جنس واحد والموجب واحد وهو الدية وإنها بدل النفس بجميع أجزائها فدخل الطرف في النفس كأنه قتله ابتداء.

قال: "ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص منه حتى يبرأ" وقال الشافعي رحمه الله: يقتص منه في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس، وهذا لأن الموجب قد قد تحقق فلا يعطل. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "يستأنى في الجراحات سنة" ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها لأن حكمها في الحال غير معلوم فلعلها تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل وإنما يستقر الأمر بالبرء.

قال: "وكل عمد سقط القصاص فيه بشبهة فالدية في مال القاتل، وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل" لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تعقل العواقل عمدا" الحديث. وهذا عمد، غير أن الأول يجب في ثلاث سنين لأنه مال وجب بالقتل ابتداء فأشبه شبه العمد. والثاني يجب حالا لأنه مال وجب بالعقد فأشبه الثمن في البيع.

قال: "وإن قتل الأب ابنه عمدا فالدية في ماله في ثلاث سنين" وقال الشافعي رحمه الله: تجب حالة لأن الأصل أن ما يجب بالإتلاف يجب حالا، والتأجيل للتخفيف في الخاطئ وهذا عامد فلا يستحقه، ولأن المال وجب جبرا لحقه، وحقه في نفسه حال فلا ينجبر بالمؤجل. ولنا أنه مال واجب بالقتل فيكون مؤجلا كدية الخطإ وشبه العمد، وهذا لأن القياس يأبى تقوم الآدمي بالمال لعدم التماثل، والتقويم ثبت بالشرع وقد ورد به مؤجلا لا معجلا فلا يعدل عنه لا سيما إلى زيادة، ولما لم يجز التغليط باعتبار العمدية قدرا لا يجوز وصفا "وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله ولا يصدق على عاقلته" لما روينا، ولأن الإقرار لا يتعدى المقر لقصور ولايته عن غيره فلا يظهر في حق العاقلة.

قال: "وعمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية" على العاقلة، وكذلك كل جناية موجبها خمسمائة فصاعدا والمعتوه كالمجنون "وقال الشافعي رحمه الله: عمده عمد حتى تجب الدية في ماله حالة" لأنه عمد حقيقة، إذ العمد هو القصد غير أنه تخلف عنه أحد حكميه وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>