تكن استحلفه يمينا واحدة لأنه ليس بقسامة لانعدام النص وامتناع القياس. ثم إن حلف برئ وإن نكل والدعوى في المال ثبت به، وإن كان في القصاص فهو على اختلاف مضى في كتاب الدعوى.
قال:"وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين" لما روي أن عمر رضي الله عنه لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية. وعن شريح والنخعي رحمهما الله مثل ذلك، ولأن الخمسين واجب بالسنة فيجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيه الوقوف على الفائدة لثبوتها بالسنة، ثم فيه استعظام أمر الدم، فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم فليس له ذلك، لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال.
قال:"ولا قسامة على صبي ولا مجنون" لأنهما ليسا من أهل القول الصحيح واليمين قول صحيح.
قال:"ولا امرأة ولا عبد" لأنهما ليسا من أهل النصرة واليمين على أهلها.
قال:"وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية" لأنه ليس بقتيل، إذ القتيل في العرف من فاتت حياته بسبب يباشره حي وهذا ميت حتف أنفه، والغرامة تتبع فعل العبد والقسامة تتبع احتمال القتل ثم يجب عليهم القسم فلا بد من أن يكون به أثر يستدل به على كونه قتيلا، وذلك بأن يكون به جراحة أو أثر ضرب أو خنق، وكذا إذا كان خرج الدم من عينه أو أذنه لأنه لا يخرج منها إلا بفعل من جهة الحي عادة، بخلاف ما إذا خرج من فيه أو دبره أو ذكره لأن الدم يخرج من هذه المخارج عادة بغير فعل أحد، وقد ذكرناه في الشهيد.
"ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف ومعه الرأس في محلة فعلى أهلها القسامة والدية، وإن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من النصف ومعه الرأس أو وجد يده أو رجله أو رأسه فلا شيء عليهم" لأن هذا حكم عرفناه بالنص وقد ورد به في البدن، إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي، بخلاف الأقل لأنه ليس ببدن ولا ملحق به فلا تجري فيه القسامة، ولأنا لو اعتبرناه تتكرر القسامتان والديتان بمقابلة نفس واحدة ولا تتواليان، والأصل فيه أن الموجود الأول إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب فيه، وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجري فيه القسامة تجب، والمعنى ما أشرنا إليه، وصلاة الجنازة في هذا تنسحب على هذا الأصل لأنها لا تتكرر.