بين الكل لأنه صلة فيعتبر بالزكاة وأدناها ذلك إذ خمسة دراهم عندهم نصف دينار، ولكنا نقول: هي أحط رتبة منها؛ ألا ترى أنها لا تؤخذ من أصل المال فينتقص منها تحقيقا لزيادة التخفيف.
"ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب الرزق يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث" لأن الرزق في حقهم بمنزلة العطاء قائم مقامه إذ كل منهما صلة من بيت المال، ثم ينظر إن كانت أرزاقهم تخرج في كل سنة، فكما يخرج رزق يؤخذ منه الثلث بمنزلة العطاء، وإن كان يخرج في كل ستة أشهر وخرج بعد القضاء يؤخذ منه سدس الدية وإن كان يخرج في كل شهر يؤخذ من كل رزق بحصته من الشهر حتى يكون المستوفي في كل سنة مقدار الثلث، وإن خرج بعد القضاء بيوم أو أكثر أخذ من رزق ذلك الشهر بحصة الشهر، وإن كانت لهم أرزاق في كل شهر وأعطية في كل سنة فرضت الدية في الأعطية دون الأرزاق لأنه أيسر، إما لأن الأعطية أكثر، أو لأن الرزق لكفاية الوقت فيتعسر الأداء منه والأعطيات ليكونوا في الديوان قائمين بالنصرة فيتيسر عليهم.
قال:"وأدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي كأحدهم" لأنه هو الفاعل فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره. وقال الشافعي: لا يجب على القاتل شيء من الدية اعتبارا للجزء بالكل في النفي عنه والجامع كونه معذورا.
قلنا: إيجاب الكل إجحاف به ولا كذلك إيجاب الجزء، ولو كان الخاطئ معذورا فالبريء منه أولى، قال الله تعالى:{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} . [الأنعام:١٦٤]
"وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل" لقول عمر رضي الله عنه: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة، ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته، والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية، وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية بخلاف الرجل، لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه أحد العواقل لأنه ينصر نفسه وهذا لا يوجد فيهما، والفرض لهما من العطاء للمعونة لا للنصرة كفرض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهن. "ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر" يريد به أنه إذا كان لأهل كل مصر ديوان على حدة لأن التناصر بالديوان عند وجوده، ولو كان باعتبار القرب في السكنى فأهل مصره أقرب إليه من أهل مصر آخر "ويعقل أهل كل مصر من أهل سوادهم" لأنهم أتباع لأهل المصر، فإنهم إذا حزبهم أمر استنصروا بهم فيعقلهم أهل المصر باعتبار معنى