والأول أولى، ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيه من إتلاف ماله فأشبه امتناع صاحب البذر في المزارعة فلا يكون امتناعه رضا منه ببطلان حقه لأنه في حيز التردد، ولا تصح إجارة من له السكنى لأنه غير مالك. امتناع صاحب البذر في المزارعة فلا يكون امتناعه رضا منه ببطلان حقه لأنه في حيز.
قال:"وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه، وإن استغنى عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيهما"؛ لأنه لا بد من العمارة ليبقى على التأبيد فيحصل مقصود الواقف. فإن مست الحاجة إليه في الحال صرفها فيها، وإلا أمسكها حتى لا يتعذر عليه ذلك أوان الحاجة فيبطل المقصود، وإن تعذر إعادة عينه إلى موضعه بيع وصرف ثمنه إلى المرمة صرفا للبدل إلى مصرف المبدل "ولا يجوز أن يقسمه" يعني النقض "بين مستحقي الوقف" لأنه جزء من العين ولا حق للموقوف عليهم فيه: وإنما حقهم في المنافع، والعين حق الله تعالى فلا يصرف إليهم غير حقهم.
قال:"وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف" قال رضي الله عنه: ذكر فصلين شرط الغلة لنفسه وجعل الولاية إليه.
أما الأول فهو جائز عند أبي يوسف، ولا يجوز على قياس قول محمد وهو قول هلال الرازي وبه قال الشافعي. وقيل إن الاختلاف بينهما بناء على الاختلاف في اشتراط القبض والإفراز. وقيل هي مسألة مبتدأة، والخلاف فيما إذا شرط البعض لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء، وفيما إذا شرط الكل لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء سواء؛ ولو وقف وشرط البعض أو الكل لأمهات أولاده ومدبريه ما داموا أحياء، فإذا ماتوا فهو للفقراء والمساكين، فقد قيل يجوز بالاتفاق، وقد قيل هو على الخلاف أيضا وهو الصحيح لأن اشتراطه لهم في حياته كاشتراطه لنفسه.
وجه قول محمد رحمه الله أن الوقف تبرع على وجه التمليك بالطريق الذي قدمناه، فاشتراطه البعض أو الكل لنفسه يبطله؛ لأن التمليك من نفسه لا يتحقق فصار كالصدقة المنفذة، وشرط بعض بقعة المسجد لنفسه. ولأبي يوسف ما روي "أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل من صدقته" والمراد منها صدقته الموقوفة، ولا يحل الأكل منها إلا بالشرط، فدل على صحته، ولأن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على وجه القربة على ما بيناه، فإذا شرط البعض أو الكل لنفسه، فقد جعل ما صار مملوكا لله تعالى لنفسه لا أنه يجعل ملك نفسه لنفسه، وهذا جائز، كما إذا بنى خانا أو سقاية أو جعل أرضه مقبرة، وشرط أن ينزله أو يشرب منه أو يدفن فيه، ولأن مقصوده القربة وفي الصرف إلى نفسه ذلك، قال عليه