للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الانتفاع به، فأشبه العقار والكراع والسلاح. ولنا أن الوقف فيه لا يتأبد، ولا بد منه على ما بيناه فصار كالدراهم والدنانير، بخلاف العقار، ولا معارض من حيث السمع ولا من حيث التعامل فبقي على أصل القياس. وهذا لأن العقار يتأبد، والجهاد سنام الدين، فكان معنى القربة فيهما أقوى فلا يكون غيرهما في معناهما.

قال: "وإذا صح الوقف لم يجز بيعه ولا تمليكه، إلا أن يكون مشاعا عند أبي يوسف فيطلب الشريك القسمة فيصح مقاسمته" أما امتناع التمليك فلما بينا. وأما جواز القسمة فلأنها تمييز وإفراز، غاية الأمر أن الغالب في غير المكيل والموزون معنى المبادلة، إلا أن في الوقف جعلنا الغالب معنى الإفراز نظرا للوقف فلم تكن بيعا وتمليكا؛ ثم إن وقف نصيبه من عقار مشترك فهو الذي يقاسم شريكه؛ لأن الولاية للواقف وبعد الموت إلى وصية، وإن وقف نصف عقار خالص له فالذي يقاسمه القاضي أو يبيع نصيبه الباقي من رجل، ثم يقاسمه المشتري ثم يشتري ذلك منه لأن الواحد لا يجوز أن يكون مقاسما ومقاسما، ولو كان في القسمة فضل دراهم إن أعطى الواقف لا يجوز لامتناع بيع الوقف، وإن أعطى الواقف جاز ويكون بقدر الدراهم شراء.

قال: "والواجب أن يبتدأ من ارتفاع الوقف بعمارته شرط ذلك الواقف أو لم يشترط" لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدا، ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء ولأن الخراج بالضمان وصار كنفقة العبد الموصى بخدمته، فإنها على الموصى له بها. ثم إن كان الوقف على الفقراء لا يظفر بهم، وأقرب أموالهم هذه الغلة فتجب فيها. ولو كان الوقف على رجل بعينه وآخره للفقراء فهو في ماله: أي مال شاء في حال حياته. ولا يؤخذ من الغلة؛ لأنه معين يمكن مطالبته، وإنما يستحق العمارة عليه بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة التي وقفه، وإن خرب يبني على ذلك الوصف؛ لأنها بصفتها صارت غلتها مصروفة إلى الموقوف عليه. فأما الزيادة على ذلك فليست بمستحقة عليه والغلة مستحقة فلا يجوز صرفها إلى شيء آخر إلا برضاه، ولو كان الوقف على الفقراء فكذلك عند البعض، وعند الآخرين يجوز ذلك، والأول أصح لأن الصرف إلى العمارة ضرورة إبقاء الوقف ولا ضرورة في الزيادة.

قال: "فإن وقف دارا على سكنى ولده فالعمارة على من له سكنى" لأن الخراج بالضمان على ما مر فصار كنفقة العبد الموصى بخدمته "فإن امتنع من ذلك، أو كان فقيرا آجرها الحاكم وعمرها بأجرتها، وإذا عمرها ردها إلى من له السكنى" لأن في ذلك رعاية الحقين حق الواقف وحق صاحب السكنى، لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا

<<  <  ج: ص:  >  >>