وجوب المال عليه بالكفالة لا ينافي الكفالة بنفسه إذ كل واحد منهما للتوثق. وقال الشافعي: لا تصح هذه الكفالة لأنه تعليق سبب وجوب المال بالخطر فأشبه البيع. ولنا أنه يشبه البيع ويشبه النذر من حيث إنه التزام. فقلنا: لا يصح تعليقه بمطلق الشرط كهبوب الريح ونحوه. ويصح بشرط متعارف عملا بالشبهين والتعليق بعدم الموافاة متعارف.
قال:"ومن كفل بنفس رجل وقال إن لم يواف به غدا فعليه المال، فإن مات المكفول عنه ضمن المال" لتحقق الشرط وهو عدم الموافاة.
قال:"ومن ادعى على آخر مائة دينار بينها أو لم يبينها حتى تكفل بنفسه رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه المائة فلم يواف به غدا فعليه المائة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وقال محمد رحمه الله: إن لم يبينها حتى تكفل به رجل ثم ادعى بعد ذلك لم يلتفت إلى دعواه" لأنه علق مالا مطلقا بخطر؛ ألا يرى أنه لم ينسبه إلى ما عليه، ولا تصح الكفالة على هذا الوجه وإن بينها ولأنه لم تصح الدعوى من غير بيان فلا يجب إحضار النفس، وإذا لم يجب لا تصح الكفالة بالنفس فلا تصح بالمال لأنه بناء عليه، بخلاف ما إذا بين. ولهما أن المال ذكر معرفا فينصرف إلى ما عليه، والعادة جرت بالإجمال في الدعاوى فتصح الدعوى على اعتبار البيان، فإذا بين التحق البيان بأصل الدعوى فتبين صحة الكفالة الأولى فيترتب عليها الثانية.
قال:"ولا تجوز الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص عند أبي حنيفة رحمه الله" معناه: لا يجبر عليها عنده، وقالا: يجبر في حد القذف لأن فيه حق العبد وفي القصاص لأنه خالص حق العبد فيليق بهما الاستيثاق كما في التعزير، بخلاف الحدود الخالصة لله تعالى. ولأبي حنيفة رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام:"لا كفالة في حد من غير فصل" ولأن مبنى الكل على الدرء فلا يجب فيها الاستيثاق، بخلاف سائر الحقوق لأنها لا تندرئ بالشبهات فيليق بها الاستيثاق كما في التعزير "ولو سمحت نفسه به يصح بالإجماع" لأنه أمكن ترتيب موجبه عليه لأن تسليم النفس فيها واجب فيطالب به الكفيل فيتحقق الضم.
قال:"ولا يحبس فيها حتى يشهد شاهدان مستوران أو شاهد عدل يعرفه القاضي" لأن الحبس للتهمة هاهنا، والتهمة تثبت بأحد شطري الشهادة: إما العدد أو العدالة، بخلاف الحبس في باب الأموال لأنه أقصى عقوبة فيه فلا يثبت إلا بحجة كاملة. وذكر في كتاب