إقراره للأول انقطع يده عن المال فيكون هذا إقرارا على الأول فلا يصح إقراره للثاني، كما إذا كان الأول ابنا معروفا، ولأنه حين أقر للأول لا مكذب له فصح، وحين أقر للثاني له مكذب فلم يصح.
قال:"وإذا قسم الميراث بين الغرماء والورثة فإنه لا يؤخذ منهم كفيل ولا من وارث وهذا شيء احتاط به بعض القضاة وهو ظلم" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا: يؤخذ الكفيل، والمسألة فيما إذا ثبت الدين والإرث بالشهادة ولم يقل الشهود لا نعلم له وارثا غيره. لهما أن القاضي ناظر للغيب، والظاهر أن في التركة وارثا غائبا أو غريما غائبا، لأن الموت قد يقع بغتة فيحتاط بالكفالة. كما إذا دفع الآبق واللقطة إلى صاحبه وأعطى امرأة الغائب النفقة من ماله. ولأبي حنيفة رحمه الله أن حق الحاضر ثابت قطعا، أو ظاهرا فلا يؤخر لحق موهوم إلى زمان التكفيل كمن أثبت الشراء ممن في يده أو أثبت الدين على العبد حتى بيع في دينه لا يكفل، ولأن المكفول له مجهول فصار كما إذا كفل لأحد الغرماء بخلاف النفقة لأن حق الزوج ثابت وهو معلوم. وأما الآبق واللقطة ففيه روايتان، والأصح أنه على الخلاف. وقيل إن دفع بعلامة اللقطة أو إقرار العبد يكفل بالإجماع لأن الحق غير ثابت، ولهذا كان له أن يمنع. وقوله ظلم: أي ميل عن سواء السبيل، وهذا يكشف عن مذهبه رحمه الله أن المجتهد يخطئ ويصيب لا كما ظنه البعض.
قال:"وإذا كانت الدار في يد رجل وأقام الآخر البينة أن أبوه مات وتركها ميراثا بينه وبين أخوه فلان الغائب قضي له بالنصف وترك النصف الآخر في يد الذي هي في يده ولا يستوثق منه بكفيل، وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: إن كان الذي هي في يده جاحدا أخذ منه وجعل في يد أمين، وإن لم يجحد ترك في يده" لهما أن الجاحد خائن فلا يترك المال في يده، بخلاف المقر لأنه أمين. وله أن القضاء وقع للميت مقصودا واحتمال كونه مختار الميت ثابت فلا تنقض يده كما إذا كان مقرا وجحوده قد ارتفع بقضاء القاضي، والظاهر عدم الجحود في المستقبل لصيرورة الحادثة معلومة له وللقاضي، ولو كانت الدعوى في منقول فقد قيل يؤخذ منه بالاتفاق لأنه يحتاج فيه إلى الحفظ والنزع أبلغ فيه، بخلاف العقار لأنها محصنة بنفسها ولهذا يملك الوصي بيع المنقول على الكبير الغائب دون العقار، وكذا حكم وصي الأم والأخ والعم على الصغير. وقيل المنقول على الخلاف أيضا، وقول أبي حنيفة رحمه الله فيه أظهر لحاجته إلى الحفظ، وإنما لا يؤخذ الكفيل لأنه إنشاء خصومة والقاضي إنما نصب لقطعها لا لإنشائها، وإذا حضر الغائب لا يحتاج إلى إعادة البينة ويسلم النصف إليه بذلك القضاء لأن أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما