ونحو ذلك. وقال الشافعي رحمه الله: لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها لأن الأصل فيها عدم القبول لنقصان العقل واختلال الضبط وقصور الولاية فإنها لا تصلح للإمارة ولهذا لا تقبل في الحدود، ولا تقبل شهادة الأربع منهن وحدهن إلا أنها قبلت في الأموال ضرورة، والنكاح أعظم خطرا وأقل وقوعا فلا يلحق بما هو أدنى خطرا وأكثر وجودا. ولنا أن الأصل فيها القبول لوجود ما يبتنى عليه أهلية الشهادة وهو المشاهدة والضبط والأداء، إذ بالأول يحصل العلم للشاهد، وبالثاني يبقى، وبالثالث يحصل العلم للقاضي ولهذا يقبل إخبارها في الأخبار، ونقصان الضبط بزيادة النسيان انجبر بضم الأخرى إليها فلم يبق بعد ذلك إلا الشبهة فلهذا لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات، وهذه الحقوق تثبت مع الشبهات وعدم قبول الأربع على خلاف القياس كي لا يكثر خروجهن.
قال:"وتقبل في الولادة والبكارة والعيوب بالنساء في موضع لا يطلع عليه الرجال شهادة امرأة واحدة" لقوله عليه الصلاة والسلام: "شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه" والجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس فيتناول الأقل. وهو حجة على الشافعي رحمه الله في اشتراط الأربع، ولأنه إنما سقطت الذكورة ليخف النظر لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف فكذا يسقط اعتبار العدد إلا أن المثنى والثلاث أحوط لما فيه من معنى الإلزام "ثم حكمها في الولادة شرحناه في الطلاق"
وأما حكم البكارة فإن شهدن أنها بكر يؤجل في العنين سنة ويفرق بعدها لأنها تأيدت بمؤيد إذ البكارة أصل، وكذا في رد المبيعة إذا اشتراها بشرط البكارة، فإن قلن إنها ثيب يحلف البائع لينضم نكوله إلى قولهن والعيب يثبت بقولهن فيحلف البائع، وأما شهادتهن على استهلال الصبي لا تقبل عند أبي حنيفة رحمه الله في حق الإرث لأنه مما يطلع عليه الرجال إلا في حق الصلاة لأنها من أمور الدين. وعندهما تقبل في حق الإرث أيضا لأنه صوت عند الولادة ولا يحضرها الرجال عادة فصار كشهادتهن على نفس الولادة.
قال:"ولا بد في ذلك كله من العدالة ولفظة الشهادة، فإن لم يذكر الشاهد لفظة الشهادة وقال أعلم أو أتيقن لم تقبل شهادته" أما العدالة فلقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ}[البقرة:٢٨٢] ولقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: ٢] ولأن العدالة هي المعينة للصدق، لأن من يتعاطى غير الكذب قد يتعاطاه. وعن أبي يوسف رحمه الله أن الفاسق إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة تقبل شهادته لأنه لا يستأجر لوجاهته ويمتنع عن الكذب لمروءته، والأول أصح، إلا أن القاضي لو قضى بشهادة الفاسق يصح عندنا. وقال الشافعي رحمه الله: لا يصح، والمسألة معروفة.