للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما لفظة الشهادة فلأن النصوص نطقت باشتراطها إذ الأمر فيها بهذه اللفظة، ولأن فيها زيادة توحيد، فإن قوله أشهد من ألفاظ اليمين كقوله أشهد بالله فكان الامتناع عن الكذب بهذه اللفظة أشد. وقوله في ذلك كله إشارة إلى جميع ما تقدم حتى يشترط العدالة، ولفظة الشهادة في شهادة النساء في الولادة وغيرها هو الصحيح لأنها شهادة لما فيه من معنى الإلزام حتى اختص بمجلس القضاء ولهذا يشترط فيه الحرية والإسلام.

"قال أبو حنيفة رحمه الله: يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة في المسلم ولا يسأل عن حال الشهود حتى يطعن الخصم" لقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا محدودا في قذف" ومثل ذلك مروي عن عمر رضي الله عنه، ولأن الظاهر هو الانزجار عما هو محرم دينه، وبالظاهر كفاية إذ لا وصول إلى القطع. "إلا في الحدود والقصاص فإنه يسأل عن الشهود" لأنه يحتال لإسقاطها فيشترط الاستقصاء فيها، ولأن الشبهة فيها دارئة، وإن طعن الخصم فيهم سأل عنهم لأنه تقابل الظاهران فيسأل طلبا للترجيح "وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا بد أن يسأل عنهم في السر والعلانية في سائر الحقوق" لأن القضاء مبناه على الحجة وهي شهادة العدول فيتعرف عن العدالة، وفيه صون قضائه عن البطلان. وقيل هذا اختلاف عصر وزمان والفتوى على قولهما في هذا الزمان.

قال: "ثم التزكية في السر أن يبعث المستورة إلى المعدل فيها النسب والحلي والمصلى ويردها المعدل" كل ذلك في السر كي لا يظهر فيخدع أو يقصد "وفي العلانية لا بد أن يجمع بين المعدل والشاهد" لتنتفي شبهة تعديل غيره، وقد كانت العلانية وحدها في الصدر الأول، ووقع الاكتفاء بالسر في زماننا تحرزا عن الفتنة. ويروى عن محمد رحمه الله: تزكية العلانية بلاء وفتنة. ثم قيل: لا بد أن يقول المعدل هو عدل جائز الشهادة لأن العبد قد يعدل، وقيل يكتفي بقوله هو عدل لأن الحرية ثابتة بالدار وهذا أصح.

قال: "وفي قول من رأى أن يسأل عن الشهود لم يقبل قول الخصم إنه عدل" معناه قول المدعى عليه وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أنه يجوز تزكيته، لكن عند محمد يضم تزكية الآخر إلى تزكيته لأن العدد عنده شرط. ووجه الظاهر أن في زعم المدعي وشهوده أن الخصم كاذب في إنكاره مبطل في إصراره فلا يصلح معدلا، وموضوع المسألة إذا قال هم عدول إلا أنهم أخطئوا أو نسوا، أما إذا قال صدقوا أو هم عدول صدقة فقد اعترف بالحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>