قال:"ولا يضارب إلا أن يأذن له رب المال أو يقول له اعمل برأيك" لأن الشيء لا يتضمن مثله لتساويهما في القوة فلا بد من التنصيص عليه أو التفويض المطلق إليه وكان كالتوكيل، فإن الوكيل لا يملك أن يوكل غيره إلا إذا قيل له اعمل برأيك، بخلاف الإيداع والإبضاع لأنه دونه فيتضمنه، وبخلاف الإقراض حيث لا يملكه. وإن قيل له اعمل برأيك لأن المراد منه التعميم فيما هو من صنيع التجار وليس الإقرار منه وهو تبرع كالهبة والصدقة فلا يحصل به الغرض وهو الربح لأنه لا تجوز الزيادة عليه، أما الدفع مضاربة فمن صنيعهم، وكذا الشركة والخلط بمال نفسه فيدخل تحت هذا القول.
قال:"وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز له أن يتجاوزها" لأنه توكيل. وفي التخصيص فائدة فيتخصص، وكذا ليس له أن يدفعه بضاعة إلى من يخرجها من تلك البلدة لأنه لا يملك الإخراج بنفسه فلا يملك تفويضه إلى غيره.
قال:"فإن خرج إلى غير ذلك البلد فاشترى ضمن" وكان ذلك له، وله ربحه لأنه تصرف بغير أمره وإن لم يشتر حتى رده إلى الكوفة وهي التي عينها برئ من الضمان كالمودع إذا خالف في الوديعة ثم ترك ورجع المال مضاربة على حاله لبقائه في يده بالعقد السابق، وكذا إذا رد بعضه واشترى ببعضه في المصر كان المردود والمشترى في المصر على المضاربة لما قلنا، ثم شرط الشراء بها هاهنا وهو رواية الجامع الصغير، وفي كتاب المضاربة ضمنه بنفس الإخراج. والصحيح أن بالشراء يتقرر الضمان لزوال احتمال الرد إلى المصر الذي عينه.
أما الضمان فوجوبه بنفس الإخراج، وإنما شرط الشراء للتقرر لا لأصل الوجوب، وهذا بخلاف ما إذا قال على أن يشتري في سوق الكوفة حيث لا يصح التقييد لأن المصر مع تباين أطرافه كبقعة واحدة فلا يفيد التقييد، إلا إذا صرح بالنهي بأن قال اعمل في السوق ولا تعمل في غير السوق لأنه صرح بالحجر والولاية إليه ومعنى التخصيص أن يقول له على أن تعمل كذا أو في مكان كذا، وكذا إذا قال خذ هذا المال تعمل به في الكوفة لأنه تفسير له، أو قال فاعمل به في الكوفة لأن الفاء للوصل أو قال خذه بالنصف بالكوفة لأن الباء للإلصاق.
أما إذا قال خذ هذا المال واعمل به بالكوفة فله أن يعمل فيها وفي غيرها لأن الواو للعطف فيصير بمنزلة المشورة، ولو قال على أن تشتري من فلان وتبيع منه صح التقييد لأنه مفيد لزيادة الثقة به في المعاملة، بخلاف ما إذا قال على أن تشتري بها من أهل الكوفة