الشديد، وغلب على ظنه يباح له ذلك "ولا يسعه أن يصبر على ما توعد به، فإن صبر حتى أوقعوا به ولم يأكل فهو آثم" لأنه لما أبيح كان بالامتناع عنه معاونا لغيره على هلاك نفسه فيأثم كما في حالة المخمصة. وعن أبي يوسف أنه لا يأثم لأنه رخصة إذ الحرمة قائمة فكان آخذا بالعزيمة.
قلنا: حالة الاضطرار مستثناة بالنص وهو تكلم بالحاصل بعد الثنيا فلا محرم فكان إباحة لا رخصة إلا أنه إنما يأثم إذا علم بالإباحة في هذه الحالة، لأن في انكشاف الحرمة خفاء فيعذر بالجهل فيه كالجهل بالخطاب في أول الإسلام أو في دار الحرب.
قال:"وإن أكره على الكفر بالله تعالى والعياذ بالله أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراها حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه" لأن الإكراه بهذه الأشياء ليس بإكراه في شرب الخمر لما مر، ففي الكفر وحرمته أشد أولى وأحرى.
قال:"وإذا خاف على ذلك وسعه أن يظهر ما أمروه به ويوري، فإن أظهر ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه" لحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه حيث ابتلي به، وقد قال له النبي عليه الصلاة والسلام:"كيف وجدت قلبك؟ " قال: مطمئنا بالإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام:"فإن عادوا فعد"، وفيه نزل قوله تعالى:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ}[النحل:١٠٦] . ولأن بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق، وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فيسعه الميل إليه.
قال:"فإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورا" لأن خبيبا رضي الله عنه صبر على ذلك حتى صلب وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء، وقال في مثله "هو رفيقي في الجنة" ولأن الحرمة باقية، والامتناع لإعزاز الدين عزيمة، بخلاف ما تقدم للاستثناء.
قال:"وإن أكره على إتلاف مال مسلم بأمر يخاف على نفسه أو على عضو من أعضائه وسعه أن يفعل ذلك" لأن مال الغير يستباح للضرورة كما في حالة المخمصة وقد تحققت "ولصاحب المال أن يضمن المكره" لأن المكره آلة للمكره فيما يصلح آلة له والإتلاف من هذا القبيل "وإن أكرهه بقتله على قتل غيره لم يسعه أن يقدم عليه ويصبر حتى يقتل، فإن قتله كان آثما" لأن قتل المسلم مما لا يستباح لضرورة ما فكذا بهذه الضرورة.
قال:"والقصاص على المكره إن كان القتل عمدا" قال رضي الله عنه: وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال زفر: يجب على المكره. وقال