تأليف المتون والمختصرات بلغ بها حد الألغاز، حتى احتاجت إلى الشروح والحواشي والتعليقات، فكتاب مغنى ذوي الأفهام، شرحه مصنفه في مائة وعشرين مجلدا، ولو كمل لبلغ ثلاثمائة مجلد.
ثالثا: تتجلى الأمانة العلمية في أعلى صورها، وتحري الصواب في أرقى مراتبه، ذلك عند التصدر للإفتاء، حيث تنتقى أدق ألفاظ الترجيح، لتوسم بها الفتوى، وفي هذا دلالة واضحة على نزاهة وورع سلفنا الصالح، الذين بهم ارتفع صرح الحضارة الإسلامية.
رابعا: تختلف ألفاظ التشهير أو علامات الإفتاء من مذهب إلى آخر سواء كان من حيث استعمال اللفظ أو من حيث معناه، فلفظ الصحيح يأتي في المذهب الشافعي للترجيح بين أوجه الأصحاب، بينما يقصد به في المذاهب الأخرى ما قوي دليله، ولفظ الظاهر يعني ما تبادر إلى ذهن المجتهد من الدليل في المذاهب الثلاثة، بينما في المذهب الشافعي هو ما قوي دليله، كذلك جميع المذاهب تعتمد القياس في الفتوى، فيقولون الأشبه كذا بينما يعبر الحنابلة عن ذلك بالأقيس.
ولفظ المشهور هو ما كثر قائلوه عند الحنابلة والمالكية، أما عند عامة الشافعية فيستعمل للترجيح بين أقوال الشافعي فقط.
خامسا: أن الشافعية يفرقون في الترجيح بين أقوال الإمام الشافعي وأوجه الأصحاب وطرق نقل المذهب فلكل منها ألفاظ خاصة، فيستعملون للترجيح بين أقوال الإمام الشافعي: الأظهر، والمشهور، وللترجيح بين أوجه الأصحاب: الأصح، والمختار، والصحيح، والصواب، أما لطرق نقل المذهب والترجيح بينها فيستعملون لفظ المذهب.
سادسا: بعد عصر الأئمة المجتهدين، وبعد الزمن بينهم وبين عصر المتأخرين، وبسبب تعدد الروايات عنهم، واختلاف طرق النقل، وتصدر للإفتاء من ليس أهلا له، كثرت الفتاوى واختلط الصحيح بالضعيف، ظهرت الحاجة إلى تنقيح المذهب وتصحيحه وبيان الراجح من الخلاف وضبط الفتاوى بأصول المذهب، وقوة الدليل إلا ما ساغ عليه العمل مراعاة لظروف