للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت المسيحية السلمية التي ترى لها حق القيام على كل دين يدخل تحت سلطانها، تراقب أعمال أهله وتخصهم دون الناس بضروب من المعاملة لا يحتملها الصبر مهما عظم حتى إذا تمت لها القدرة على طردهم بعد العجز عن إخراجهم من دينهم وتعميدهم، أجلتهم عن ديارهم، وغسلت الديار من آثارهم، كما حصل ويحصل في كل أرض استولت عليها أمة مسيحية استيلاء حقيقيا. أما الإسلام الحربي فكان يكتفي من الفتح بإدخال الأرض المفتوحة تحت سلطانه، ثم يترك الناس وما كانوا عليه من الدين يؤدون ما يجب عليهم في اعتقادهم كما شاء ذلك الاعتقاد، وإنما يكلفهم بجزية يدفعونها لتكون عونا لهم على صيانتهم والمحافظة على أمنهم في ديارهم، وهم في عقائدهم ومعابدهم وعاداتهم بعد ذلك أحرار (١).

لقد جاءت المسيحية، حتى قبل تسنينها في عقيدة مغلقة، مصادمة لروح الفلسفة اليونانية في نقطتين ميتافيزقيتين أساسيتين:

الخلق من عدم، والتجسد الإلهي؛ فالله في المسيحية هو وحده الخالد والكامل. والكون الذي لم يكن موجودا، هو من خلقه، ولسوف يكون مآله إلى مثل العدم الذي جاء منه بقرار إلهي أيضا، ولكن الكون في التصور السائد - وبخاصة الأرسطي - من الفلسفة اليونانية غير مخلوق، وقديم قدم الله نفسه، ومشارك في الماهية الإلهية بثباته وبثبات القوانين التي تنتظمه وتحكم حركته الأبدية؛ فالكون، بمعنى من المعاني، هو الله نفسه، وهو بلا تاريخ، وغير خاضع للتغيير؛ لأن حركته دورية وتغيراته لاتعدو أن تكون تكرارا أبديا. والحال أن المسيحية تقوم على فكرة مبادأة تاريخية جذرية تتمثل بتجسد المسيح الذي يحدث تغيرا انقطاعيا في مسار الكون والزمن معا. وبما أن الشق الذي انتصر وساد من المسيحية هو ذاك الذي يقول بألوهية المسيح، فإن فعل التجسد يعادل خرقا للثبات الإلهي والكوني معا، وهذا بالتحديد ما كان يشق كل المشقة على ورثة الفلسفة اليونانية أن يقبلوه (٢).

[التعريف بعيسى عليه السلام (بين القرآن والأناجيل)]

[اسمه ونسبه]

الذي ذكر في القرآن من اسم عيسى عليه الصلاة والسلام ونسبه أنه عيسى ابن مريم؛ حيث قد نسبه الله تعالى إلى أمه مريم؛ لأنه خلق من غير أب، قال الله تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين) (٣). جاء في القرآن أيضاً نسب أمه وأنها ابنت عمران قال الله تعالى: "ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها" (٤).


(١) محمد عبده، الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية، (القاهرة، دار الحداثة، ط ٣، ١٩٨٨ م)، ص ٨٤ - ٨٦ (بتصرف يسير).
(٢) جورج طرابيشي، مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام، (لبنان: مؤسسة الوفاء)، ص ٢٥.
(٣)] آل عمران: ٤٥ [.
(٤)] التحريم: ١٢ [.

<<  <   >  >>