للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول

مقارنة بين فندر ورحمت الله

إن منهج رحمت الله وفندر في المباحثات حول مجموع العهدين أو في كتبهما حول قضايا السند والنسخ والتحريف والتثليث والنبوة أو ما تفرع عنهم كقضية القرآن وألوهية المسيح وكذلك عصمة الأنبياء هو المنهج النقدي الإلزامي؛ الذي يلزم كل طرف باعتناق عقيدة الطرف الآخر، إلا أنه بمقارنة بين المباحثات أو المناظرات بينهما وبين الكتب المختلفة لكل منهما نجد أن المواجهة شيء مختلف عما كتب في الكتب؛ فقد يتغير مسار الحديث تماما عند المواجهة التي تسلتزم التغيير ناحية إلزام الخصم، أما الكتاب فيعتمد على السرد أكثر وسد كل الثغور والاحتمالات التي قد تتبادر إلى ذهن القارئ.

ظهر أثناء التحليل أن المناظرة قد سارت بشكل وكأنها تدور حول تحرير المصطلحات بشكل ما أو بآخر؛ فلم تكن المناظرة - خارجيا - إلا أداة لتحرير المصطلح؛ والذي تبين - أثناء المناظرة - اختلافه اختلافا جذريا في ذهن كل مناظر؛ فما كانت المناظرة في التحريف والنسخ إلا أنها أداة لإظهار وإيضاح معنى كل من التحريف والنسخ عند كل جانب.

فبينما يرى فندر أن النسخ غير جائز في الشرع فضلا عن العقل وأن النسخ بمعنى التكميل أو التحويل لشيء آخر، يرى رحمت الله أن النسخ جائز في الأحكام المطلقة المقيدة بشروط ولا تجوز في الأحكام الأخرى أو في الاعتقاد. كما يرى فندر أن التحريف يعني سهو الكاتب، بينما رحمت الله يرى أن التحريف هو أي زيادة أو نقصان أو تبديل أو خلافه- في النص- ولو كان في الكلمة أو حتى الحرف.

إن الاختلاف في الاصطلاح وصل إلى حد الدليل؛ فبينما يرى فندر أن الدليل يكفي بآراء أو بشهادة أكثر من رجلين مقبولين دون قواعد في العلم أو في الجرح والتعديل، ودون إسناد واضح، فيقبل فيها الروايات التاريخية إن كانت تؤيد الحجج المطروحة ويرفضها على عكس ذلك، بينما لا يقبل رحمت الله سوى الدليل المسند المعتمد الموافق للكتاب والسنة أو منهما من أشخاص معتمدة موثوقة تم عرضهم على قواعد للجرح والتعديل. ولا يرى تعارضا بين العقل والنقل.

لم تكن المناظرة سوى ضربا من ضروب إثبات الحق، وتثبيت الأفئدة السائرة على الحق أو التي تنشد الحقيقة. لم تكن المناظرة سوى كشف الدليل في إطار المصطلح.

كما يبدو أن علم المنطق الموضوع حتى لم يفلح - عند كثير من الناس - في الوصول للحقيقة؛ فحتى قواعد المنطق عجزت عن أن تقدم - في كثير من الأحيان - ثوب الحقيقة، أو أنها قد قدمته لكن المشكلة كانت في القلوب التي تعي وتسمع ذلك.

<<  <   >  >>