قبل أن نشرع لابد لنا أن نحدد قواعد المنهج والتي تحكم بأمور أربعة تشكل مضمون المنهج وهي (١):
- طريقة الفهم.
- طريقة التناول.
- طريقة المناقشة والحوار والجدل.
- طريقة تأسيس الأحكام.
وقد تميز بناء فندر من أنه من الصنف التدرجي؛ الذي تسبق فيه المقدمات النتيجة - في النص الاستدلالي - وابتعد عن الاقترانية وهي ماكانت جميع عناصره مرتبطة فيما بينها إلا أنه حاول أن يتظاهر بها.
من شروط التداول اللغوي ألا يكون المحاور ناطقا حقيقيا إلا إذا تكلم لسانا طبيعيا معينا، وحصل تحصيلا كافيا صيغه الصرفية، وقواعده النحوية، وأوجه دلالات ألفاظه، وأساليبه في التعبير والتبليغ.
فعلى النص أن يكون مفتوحا فتحا مستمرا تبنى موضوعاته بناء تدريجيا، ذلك أن هذه الموضوعات تنقلب في أحوال دلالية متعددة، تنتقل فيها من الإجمال إلى التفصيل، ومن الإشكال إلى التبيين، ومن الخفاء إلى الظهور، وهذا مالم تتوفر خصائصه التفصيلية عند فندر.
مبدأ الإفصاح والمصارحة الاجتماعية التي ينبغي أن يكون عليها المحاور فيتوجه إلى غيره مطلعا إياه على ما يعتقد وما يعرف، ومطالبا إياه بمشاركته اعتقاداته ومعارفه فهذا لم تظهر صورته إلا في نهاية مناظرته مع رحمت الله عندما اعترف وأقر بالتحريف؛ حيث تبنى صورة الجدل المبطن المخفي لحقائق المصطلحات التي كان يجب تحريرها قبل البدء لأنه لوحظ اختلاف مقاصدها عن المعنى المتداول مثل: النسخ وما يؤول إليه اللفظ من معنى، وكذلك التحريف الذي قصد به شيئا معينا لا على إطلاقه.
لقد اختلف أسلوب فندر ومنهجه بين كتابه وبين مناظرته في طريق الإقناع، فعندما يطالب المحاور غيره بمشاركته اعتقاداته، فإن مطالبته لا تكتسي صبغة الإكراه، ولا تدرج على منهج القمع، وإنما تتبع في تحصيل غرضها سبلا استدلالية متنوعة تجر الغير جرا إلى الإقناع برأي المحاور.
وقد تزدوج أساليب الإقناع بأساليب الإمتاع، فتكون، إذ ذاك، أقدر على التأثير في اعتقاد المخاطب، وتوجيه سلوكه لما يهبها هذا الإمتاع من قوة في استحضار الأشياء، ونفوذ في إشهادها للمخاطب، كأنه يراها رأي العين.
(١) مرجع سابق: عبد الراضي محمد عبد المحسن، منهج أهل السنة والجماعة في الرد على النصارى، (القاهرة: دار الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط ٢، ١٩٩٥ م)، ص ١٠٧.