للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما حدث بالفعل مع فندر في كتاباته حيث أخذ أسلوب الإقناع وتدرج به، مخفيا الحقائق، إلا أنه افتقد الإقناع والإمتاع عندما ناظر رحمت الله؛ حيث أظهر الله الحقائق على يد رحمت الله مما تسبب له في فقد ذلك الإقناع وذاك الإمتاع.

إلا أن كتاباته لم تصل إلى استحضار الأشياء كأنه يراها رأي العين إلا عند الجاهل الذي يجهل حقيقة النصوص المجمعة دون قص أو تذييل.

كذلك على كل محاور أن يعتقد القضايا الضرورية والبديهية والمسلم بها، فضلا عن كونه يعتقد الرأي الذي يعرضه على الغير، ويعتقد صحة هذا الاعتقاد، وما يلزم عنه، وصحة الدليل الذي يقيمه على رأيه، كما أنه يعتقد الانتقاد الذي قد يوجهه إلى رأي الغير، ولا يقتنع برأي الغير إلا إذا اعتقد أن هذا الرأي مقبول، وأن عناصر الدليل الذي أقامه هذا الغير عليه مقبولة، وأن تدليله بها مقبول - هو بدوره - وهذا لم يصل إليه فندر - وظهر ذلك في آخر المناظرة؛ لأن كل الانتقادات كانت واهية، ولم تكن مستندة إلى أدلة صحيحة تعين السامع على الاعتقاد بالرأي الذي يعرضه.

لم يلجأ فندر إلى عرض حقيقي باطلاع المعروض عليه على النتائج التي توصل إليها، وعلى المراحل التي قطعها، وعلى الوسائل التي استعملها بل لجأ إلى الحوار الشبيهي الذي يتظاهر بإشراك غيره في طلب المعرفة وإنشائها وتشقيقها، بينما هو في حقيقة الأمر آخذ بزمام توجيه المعروض عليه في كل مرحلة من مراحل الحوار، فهو الذي يحدد للمعروض عليه مسألة سبق أن تدبرها، ويعين طريقا لبحثها قد خبرها من قبل، وينتهي إلى نتائج معلومة؛ فإن العارض الفيلسوف يبذل غاية إمكانه لاقتلاع آثار المعروض عليه، وذلك بتصرفه في كل ظهور حواري للمعروض عليه وتسخيره لأغراض العرض (١).

- المصادر: يعتمد فندر كثيرا على آرائه وتحليلاته الشخصية، ويندر ما يستدل بآراء المفسرين أو العلماء النصارى حيث - غالبا - ما يكون في موقف المهاجم على الخصم، أما رحمت الله فكثيرا ما يستند إلى أقوال علماء النصارى الثقات ويدعم حججه بمقولاتهم.

- العرض: يعمد فندر إلى مقارنة أجزاء من بعض آيات القرآن بما ورد في كتابهم المقدس - ويظهر واقع النصارى من خلال مؤلفاتهم تباينا واختلافا شديدين، ولذا قلما يلجأ فندر إليهم؛ لأنه بالرجوع إليهم قد يجد التناقض عند غيره من المشهورين، وهذا يجعل دائرة المعتقد منغلقة إلى حد كبير على أفراد أو جماعات صغيرة تتباين فيما بينها، حتى لايبقى سوى الشعار الأكبر للديانة وهو المسمى فقط عند حدود الجماعة الأم أو الكبيرة.

- الاستدلال: المستوى الكتابي: عال إلا أنه يخطأ من حيث اللغة أحيانا- أما النص التاريخي: فغالبا ما يعتمد على القرآن وبطريقة "ولاتقربوا الصلاة"- في حين أن الكلامي الذاتي: يستخدم أسلوب الجدل والتحوير- لكن الاستنباطي: عال بناء على ما يستحضره من نصوص، إلا أنه يعود فيطوعها على حسب مقتضى الحالة وبناء على المقدمات غير الصحيحة يصل لنتائج غير صحيحة.


(١) انظر: طه عبد الرحمن، في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، ، المركز الثقافي العربي - ط ٣ - ٢٠٠٧، ص ٣٥ - ٨٥.

<<  <   >  >>