للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلمي في مكة، وطلب منه دحلان التأليف، ولما علم السلطان العثماني عبد العزيز بخبره وخبر المناظرة، دعاه إلى إستانبول، وأكرمه، وطلب منه التأليف عن المناظرة؛ فألف كتاب " إظهار الحق "، وعاش بقية حياته بمكة التي توفي بها عام ١٣٠٨ هـ، الموافق ١٨٩١ م.

أما مساعد الشيخ رحمة الله وشريكه في مناظرته فهو الحكيم محمد وزير خان الأكبر آبادي، الذي درس الطب في لندن، وتخرج عام ١٨٣٢ م، وكان يتقن الإنجليزية واليونانية، واطلع على المسيحية في مصادرها الأصلية، وأحضر معه مكتبة زاخرة عن النصرانية بلغاتها الأصلية. كان له دوره العلمي الدعوي في الهند، هاجر إلى مكة، وتوفي بالمدينة المنورة، ودفن بالبقيع (١).

[تحصيله وتعلمه]

بدأ في حفظ القرآن الكريم، والمبادئ من الكتب المتداولة في بلدته على يد كبار أفراد أسرته المشهورين بالعلم والفضل، ثم شد رحله إلى دلهي عاصمة العلوم والفنون، والتحق بإحدى المدارس الدينية، ونال الحظ الأوفر من أمهات العلوم والكتب، ثم أخذه العلم والمعرفة إلى بلدة لكنو - مدينة الثقافة والحضارة - فأخذ عن عدة علماء أفاضل بها، وتخصص في آداب اللغة الفارسية وعلوم الطب، ولما فرغ من تحصيل العلوم الدينية والرياضية، رجع إلى مسقط رأسه كيرانه، وأسس مدرسة قام بالتدريس فيها مدة وجيزة، لازمه عدد من تلاميذه مدة طويلة وأصبحوا من العلماء العالين في الهند، منهم: العلامة الشيخ عبد الوهاب، مؤسس أول مدرسة إسلامية بمدينة مدراس بالهند، عرفت وسميت بـ ((الباقيات الصالحات)) والتي تعتبر اليوم أكبركلية في مدينة مدراس بجنوبي الهند (٢).

[الحالة العامة بالهند وجهود الشيخ]

كانت فترة حياة الشيخ من أصعب الفترات التاريخية في الهند من حيث تدهور الإمبراطورية المغولية الإسلامية التي ظل حكمها نحو أربعمائة سنة على عموم أنحاء الهند، وبدأ نفوذ وتسلط التدخل الأجنبي المستعمر الذي هو الإنجليز، وكانت الفوضى السياسية والحكمية، وانعدام الأمن والاستقرار، وأهم من ذلك كله فقد كانت الأمور بيد الإنجليز يديرونها ويدبرونها كيفما شاؤوا ضد المسلمين للقضاء على الإمبراطورية التي بقيت اسما وصورة فقط، وقد كانت الضربة القوية موجهة إلى الإسلام والمسلمين، وكانت جماعات وفرق من المنصرين والمسيحيين تجوب أطراف الهند، تبث الدعاية المسمومة ضد المعتقدات الإسلامية، وتنشط القسيسون بعقد الاجتماعات والحلقات والحفلات في الأماكن العامة، والهجوم على المساجد والمدارس، وإلقاء الخطب ضد الدين الإسلامي، ومهاجمة العلماء والسذج سويا، وإجبار المسلمين بقبول الدين المسيحي. ولا ننسى في مثل هذه الحالة مساندة الحكومة الإنجليزية بكل نفوذها وقوتها لنشر دعوة النصرانية، وتنزيل أنواع العذاب لكل من يقاوم حركتهم ويتصدى لهم، وفي هذه الظروف الحالكة كان الشيخ رحمة الله الفرد الوحيد


(١) انظر: السيد عبد الله الهندي ترجمة: رفاعي الخولي الكاتب بعناية: بسام عبد الوهاب الجابي، المناظرة الكبرى بين العلامة الشيخ رحمت الله والدكتور القسيس (بيروت، لبنان: دار البشائر الإسلامية، ط ١، ١٩٩٦ م) ص ١٢٣ وما بعدها.
(٢) مرجع سابق: إظهار الحق، مقدمة محمد مسعود سليم، ص ١٢، ص ١٣ (بتصرف).

<<  <   >  >>