إلا أن هناك تفسيرا آخر لعله أقوى وأقرب إلى الصحة، وهو أن الكنائس التي تعيش بين المسلمين ويتكلم تابعوها العربية التي هي لغتهم الأم، يقرأون مؤلفات المسلمين ويؤيدون حججهم القوية في الدفاع عن دينهم الإسلامي، الحجج المثبتة للدين الإسلامي، وكذلك الحجج المثبتة لتحريف الأناجيل التي بني دينهم عليها، هذا من شأنه أن يجعل نتيجة الحوار في غير صالحهم ولعلها تؤدي إلى عكس ما ينتظرونه، ولعل وجود النصارى في المجتمع الإسلامي كأقلية ضعيفة الشأن في مقابل أغلبية ساحقة من المسلمين لا يكون مناسبا أو مساعدا على ظهورهم بمظهر الواثق من نفسه ومن قوة حجته، هذا على عكس وضع الكنائس الغربية التي تدعو إلى الحوار على أرضها حيث تكون الأغلبية الساحقة لأتباعهم، ولا تشكل المجموعة الإسلامية سوى أقلية ضعيفة الشأن. وثمة سبب آخر يمكن أن يسبب دفاعهم عن عقيدتهم وإبداء حججهم إثارة فتنة طائفية في المجتمع الذي يعيشون فيه تكون نتيجتها في غير صالحهم وغير صالح المجتمع ككل.
وإنه على الرغم من ذلك فإن طائفة كبيرة من الشباب الأوروبي والنصراني بشكل عام وخاصة طلبة الجامعات، كانت قد فترت قناعتهم بما تلقيه إليهم الكنيسة من تعاليم وعقائد يعجزون عن فهمها لبعدها عن المنطق العقلي السليم وعن واقع الحياة المعاش ومتطلباته، ولا يجدون فيها حلولا لمشكلاتهم بكل أنواعها. إن ما يدور من مناقشات في المؤتمرات المفتوحة التي نظمتها الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية في ألمانيا الاتحادية تعكس هذا الموقف البائس للشباب تجاه دينهم، وتظهر حاجتهم إلى دين أقوم يقوم على حجج أقوى، ويقدم حلولا واقعية لحياتهم المعاشة، وتصورا أفضل لمستقبلهم وحياتهم الأخرى (١). وفي ختام ذلك نجد أنه من المناسب جدا البحث عن وسائل جديدة لدعوة هؤلاء الشباب إلى الدين الصحيح والأقوى.
[عرض آثار العلماء زمن رحمت الله وآرائهم فيه]
بعد التعرف على حياة الشيخ رحمت الله الهندي، والتعرف على مناهج سابقيه ولاحقيه - بشيء من التفصيل - أتعرض للحديث عن بعض العلماء الذين كانوا في زمن رحمت الله الهندي، وبعض آثارهم العلمية، كذلك آراء العلماء المسلمين في الشيخ رحمت الله ومن خلال ما قدم.
بلغ رحمت الله الهندي مبلغا عظيما في تلك الفترة من تبحر في العلم، وقوة في الفهم، وصدقا في التوجه، وأوتي حجة سليمة، ومنطقا حكيما.
ظهر رحمت الله في فترة عصيبة - من فترات الاحتلال - سبقتها حملات تبشير وتنصير خطيرة، أعقبها ظهور أكبر المنصرين على الساحة، ولم يجد العامة - في تلك الفترة - من يصلح للتصدي له إلا رحمت الله؛ فهرعوا إليه - مذعورين - بعد أن أصابهم المنصر بالداء العضال، والسموم الفتاكة، وتقلب الناس في الفتن، وتكالب عليه المرجفون حتى بات الأمر
(١) المرجع السابق: د. السيد محمد الشاهد، التوحيد والنبوة والقرآن في حوار المسيحية والإسلام- دراسة تحليلية نقدية، ص ٧.