موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلمُ أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلصُ إليه لتجشَّمْتُ لقاءَهُ، ولو كنت عنده لغسلتُ عن قَدَمِهِ.
قرأ هذا الكتاب في وجود أبي سفيان، وقد رأينا أسئلته لأبي سفيان وتحليلاته الشخصية لأجوبة أبي سفيان عنها، تلك التحليلات التي تنطق بأن هذا الرجل هو النبي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل. وبعد انتهاء القراءة من الرسالة سمع أصواتًا عالية، وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات في كل مكان، وضجت القاعة بالاعتراض على كل كلمة من كلمات هذا الكتاب النبوي؛ لأن زعماء النصارى وأمراء الجيوش وعلماء الدين الموجودين رفضوا تمامًا هذه الدعوة الكريمة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما حدث ذلك أمر هرقل بأبي سفيان ومن معه من تجار أن يخرجوا من القاعة، ورأى أبو سفيان رهبة هرقل عندما سمع قصة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولم يؤمن برسالته بعدُ، وهو يرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يكتب الرسائل إلى زعماء الدول العالمية الكبرى في ذلك الوقت، فقد ترك هذا الموقف أثرًا نفسيًّا هائلاً عند أبي سفيان، حتى إنه ضرب يدًا بالأخرى، وقال:"لقد أَمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة". أي عَظُم أمر ابن أبي كبشة، يقصد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال:"إنه ليخافُهُ مَلِكُ بني الأصفر"(١).
وقد كان هرقل من علماء النصارى المعتبرين، فلا أرى فندر سوى أنه قد أنكر بذلك أقوال عظيم من عظماء النصارى!
[٥ - قضية القرآن]
يرد على موضوع فصاحة القرآن وبلاغته وأن معجز بأنه قد ألفت كتب في العالم لقوم لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، وجاءت لا مثيل لها، واشتهرت قبل كتاب ريج فيدا؛ حيث وضعه بين ١٥٠٠ - ١٠٠٠ قبل الميلاد.
ويرى أن هناك كلمات في القرآن مقتبسة من لغات أخرى غير العربية، وأن العرب كان من الممكن أن يأتوا بأفصح من القرآن بكثير، وأبطل المزدار دعوى القرآن بالإعجاز من حيث الفصاحة والبلاغة والنظم؛ وقال أن إعجاز القرآن يتمثل في إخباره بحوادث الماضي والمستقبل التي تضمنها.
ويقول أنه لا ينكر أحد حقيقة فصاحة سفر النبي أشعياء، والتثنية، والمزامير، وجميع الحقائق التي ذكرها القرآن جاءت في الكتاب المقدس.
كما قدم مشاهدات يذكر فيها معرفة الرسول بدين النصارى مما يعني اقتباسه من دينهم والذي يؤيد بدوره عدم ثبات إعجاز القرآن.
(١) البخاري: بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله /، كتاب التفسير، باب تفسير سورة آل عمران (٤٢٧٨). مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي / إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (١٧٧٣ (.