للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول

التعريف بالشيخ رحمت الله (١٨١٨ م- ١٨٩١ م)

كما ذكرت كانت أبرز الجهود في مواجهة التنصير هي جهود الشيخ رحمت الله الهندي، وخاصة عندما ناظر القس فندر؛ حيث وصلت المناظرة في عهدهما إلى أعلى درجات البحث والنظر والجدل، وتشكلت أقوى المراحل المنهجية في دائرة علوم الجدل والمناظرة.

بلغت أهمية العصر الذي ظهر فيه الشيخ رحمت الله مبلغا عظيما؛ حيث كان حافلا بالأحداث التي مرت على الإسلام والمسلمين - والتي لازالت تستمر - وتمثلت في مقاومته للنصرانية؛ المتمثلة في حملات التبشير - في تلك الفترة - باليد واللسان والقلم؛ تلك النصرانية التي تمثل أقصاها عند القس فندر وكتابه ميزان الحق.

[اسمه ومولده وأسرته]

هو محمد رحمت الله بن خليل الله (ويعرف بخليل الرحمن) الكيرواني العثماني؛ وينتهي نسبه عند الجد الرابع والثلاثين إلى ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه. ولد بحي (درباركلان) في قرية كيرانة من توابع دلهي عاصمة الهند سنة ١٨١٨ م، وقد اشتهر أفراد أسرته بالعلم والطب والمناصب العالية. أتقن اللغات الثلاث (العربية والفارسية والأردية)، وقرأ كتب الشريعة واللغة على يد آبائه، وأسس مدرسة شرعية في كيرانة تخرج منها كبار المدرسين، والمؤلفين، ومؤسسي المدارس - في أرجاء الهند - كما أسس مراكز لتدريب الدعاة على مقاومة التنصير (١).

ولد في عائلة شهيرة وأسرة كريمة، اشتهر أفرادها في تلك المقاطعة أمراء ورؤساء وحكاما وعلماء وأطباء، وكان أول من قدم إلى الهند من آل سيدنا عثمان هو الشيخ عبد الرحمن الكاذروني، الجد الأعلى للشيخ، حيث كان قاضيا شرعيا للجيوش الإسلامية التي فتحت الهند على يد السلطان محمود الغزنوي، فاستقر الشيخ عبد الرحمن الكاذروني في بلدة (باني بت) وتوفي فيها، وقبره معروف حتى الآن وكان الشيخ رحمة الله من ذرية هذا المجاهد الغازي- رحمه الله- ولذا يطلق على الشيخ لقب " العثماني " (٢).

نشأ رحمة الله في أسرة واسعة الثراء والجاه، حفظ القرآن الكريم في الثانية عشر من عمره، وتتلمذ في مدينة العلم والحضارة لكهنؤ على يد المفتي سعد الله المراد آبادي. كان لازدياد النفوذ التنصيري في الهند أثره في توجهه للتأليف والرد على المنصّرين. وكان لدور علماء الهند الجهادي في إشعال الثورة ضد الاحتلال الإنكليزي أثره في سعي الإنجليز لاعتقاله؛ لكنه نجا بأعجوبة وخرج خفية وسافر بحراً إلى اليمن، ومنها براً إلى مكة سنة ١٢٧٨ هـ، الموافق ١٨٦٢ م، ولما عرفه الناس وخاصة الشيخ أحمد بن زيني دحلان صار له دوره


(١) إظهار الحق، تحقيق: د. الملكاوي، جزء التحقيق.
(٢) مقدمة محمد مسعود سليم - مدير المدرسة الصولتية، إظهار الحق، (الدوحة، قطر: دار إحياء التراث الإسلامي، ط ١، ١٩٨٠ م)، ص ١٢، ص ١٣ (بتصرف).

<<  <   >  >>