للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يناقشهم في الأحكام فضلا عن المعتقدات. كما أن لانتشار ديدات الكبير والتأثر الكبير به هو دليل على أهمية قضية الإعلام والتكنولوجيا الحديثة في باب الدعوة والتناظر.

كما جمع رحمت الله بين منهج ابن حزم الجدلي ومنهج ابن تيمية الدفاعي في بوتقة علمية جديدة. كما لا أجزم بأن رحمت الله قد استمد منهجه من ابن تيمية أو غيره؛ فلا دليل على ذلك واضح، لكن الواضح أنه امتداد لهذا المنهج الإسلامي في باب الردود كامتداد ابن تيمية لمنهج ابن حزم وغيره من العلماء.

وقد تميز ديدات عن رحمت الله في مدة التناظر؛ فقد كان رحمت الله في مناظرته مع فندر يسير على منهج سؤال وجواب أو معلل ومجيب على قدر زمن الإجابة، كما أن الأسئلة والأجوبة في الجلسة الواحدة تنطلي على مناقشة مبحث أو موضوع واحد فقط، أما ديدات فقد كان يناقش - غالبا - من خلال أسئلة تنظلق منذ البداية وتحتوى على مناقشة موضوع واحد أو عدة موضوعات متداخلة في زمن طويل يتيح له إخراج كل ما لديه. لكن في الحقيقة أرى أن منهج رحمت الله كان أوفقا في هذا الباب؛ فقد كان يسلك مسلك العلماء لا مسلك الدعاة كما فعل ديدات، كذلك لم يكن يعتمد ديدات على آراء المفسرين الشارحين للنصوص كما كان يفعل رحمت الله.

إن قضية السند والدليل المتصل وتحرير المصطلح هم من أهم القضايا للبحث والتفنيد؛ ولذا فإن النص عند قبوله لابد أن يصل إلينا من طريق ثقة حتى منتهاه؛ أي من أوله إلى آخره، وبصرف النظر عن المخطوطة، فما هي إلا سبيل لإثبات النقل السليم، إلا أن الحديث يفترض أن يكون عن كيفية النقل عموما سواء أكان في مخطوطة أو في شخص أو في جماعة أو نقل بالتواتر أم بالآحاد بطريق الصدق أو بالتدليس وهكذا.

وقد كان بعد عرض قضايا السند والدليل من الأهمية بمكان تحليل الأقوال والآراء حول سند العهدين القديم والجديد وما دار حولهما من كلام ..

[سند التوراة والإنجيل]

[أولا: التوراة]

يحلل اسبينوزا (١) أسفار التوراة سفرا سفرا مبينا نصيب كل منها في الصحة التاريخية فالأسفار الخمسة لم يكتبها موسى، بالرغم من تأكيد الفريسيين ذلك حتى أن ابن عزرا - وهو العالم الناقد الحر - لم يجرؤ على الجهار بذلك.


(١) سبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة وتقديم د. حسن حنفي، مراجعة د. فؤاد زكريا، (بيروت، لبنان: دار التنوير، الطبعة الأولى، ٢٠٠٥)، ص ٢٢ - ص ٢٨.- سبينوزا (١٦٣٢ - ١٦٧٧) "ولد باروخ اسبينوزا في أمستردام من أسرة برتغالية يهودية ألقت عصاها في هولندة بعد ما أصابها من نفي وتشريد بسبب عقيدتها الدينية اليهودية التي شب عليها الفيلسوف في عهد الصبا. وكان أبوه تاجرا ناجحا ود لو انخرط في سلك التجارة عسى أن يخلفه، ولكنه نفر وأبى وآثر أن ينفق وقته في معبد اليهود"-زكي نجيب محمود، قصة الفلسفة الحديثة، (القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، بدون ط، ١٩٣٦ م)، ص ١٢٨.

<<  <   >  >>