للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن مرحلة ابن تيمية هي الفترة التالية لنشأة الحركة الكلامية وطغيان مناهجها وأساليبها الكلامية في الحجاج ومقارعة الخصم، وقد تفرد ابن تيمية بطريقته، وهي إضافة جديدة لطبيعة المناهج النقدية فإلى جانب تميزه الفقهي يومها بقيادة حركة التجديد الفقهي والاجتهاد، عمل على تأسيس منهج جديد في الدفاع عن العقيدة والتصدي للانحراف الداخلي والوقوف في وجه التحدي الخارجي (١). وإن كلا الطريقين: التدمير الداخلي عند رحمت الله، أوالبناء العقائدي الإسلامي عند ابن تيمية، هو المنهج التربوي الذي سلكه الرسول في دعوة أهل الجاهلية إلى الإسلام (٢). إن ابن تيمية يعد من واضعي حجر الأساس لهذا العلم وتلك القواعد، ويعد رحمت الله امتدادا له مطورا لتلك القواعد مستفيدا منه، لكن مع التركيز بشكل أكبر على نصوص العهدين، وتقويض المقولات من الداخل.

ولقد حاول ابن تيمية وضع منهج تجريبي، رافضا منطق اليونان بجميع أقسامه، ناقدا له ابتداء من الحد وانتهاء بالقياس. كما أنه وضع منهجا في الاستدلال، شبيها بالمناهج الاستقرائية الحديثة، من حيث عدم حصر المقدمات في عدد معين لا ينقص ولا يزيد؛ حيث يرى ابن تيمية أن القياس لا يصل إلى شيء من النتائج والعلوم إذا انفصل عن التجربة؛ فالتجربة وحدها تؤدي إلى كشف الحقيقة، كما أن تكرار التجربة يؤدي إلى تكوين الكليات العقلية اليقينية (٣).

إن الأبواب أو القضايا المثارة - بين المسلمين والنصارى - لم تظهر إلا بعد عصر ابن تيمية، وعند المقارنة بين منهجي كل من ابن حزم وابن تيمية نجد المذهب الظاهري لدى ابن حزم في المقابل نجد المذهب الحنبلي هو الغالب عند ابن تيمية، ويلجأ ابن حزم إلى نقد التوراة والإنجيل بتقويض مقولاتها بينما ينقضهما ابن تيمية عن طريق إثبات الإسلام والنبوة ونقد منطق التثليث في مقابل التوحيد؛ لذلك بدأ إرساء المنهج النقدي عند ابن حزم بينما بدأت تتشكل موضوعات وأبواب هذا المنهج عند ابن تيمية لتنتهي عند رحمت الله، إلا أن ابن تيمية وابن حزم قد اتفقا في القضية الأساسية والقضية الفرعية من خلال قاعدة (والكلام في صدق مدعي الرسالة وكذبه متقدم على الكلام في عموم الرسالة وخصوصها)، لكن ابن حزم رأى أن الحديث في العقائد أولى من الأحكام؛ فيرى ابن حزم أن المناظرة تكون في المعتقدات لا الأحكام؛ أي يقصد القضايا الأساسية لا الفرعية، إلا أنه قد نجد أحيانا أن القضية في الأحكام كالنسخ توصلنا إلى نقد ونقض الدين وأساس الاعتقاد، ولكني أتفق معه في مبدأ قضية فرعية كقضية ما إذا كانت معجزة يونس عليه السلام؛ فليس لها الأثر الكبير كما كنا نناقش عقيدة التثليث أو النسخ حتى! إلا أن الشيخ ديدات - حديثا - انتهج منهج ابن حزم في عدم الأخذ بتفسيرات الرهبان واختلف منهج رحمت الله في أنه يثبت خطأ وتناقض تفسيراتهم كما


(١) انظر: محمد الفاضل بن علي اللافي، دراسة العقائد النصرانية، (بتصرف يسير)، ص ٣٠.
(٢) انظر: المرجع السابق، ص ٥٠٢.
(٣) ابن تيمية، الرد على المنطقيين، نشر: عبد الرحمن شرف الدين الكتبي (باكستان: دار ترجمان السنة، ط ٣، ١٩٧٧)، (الهند: طبعة بومباي، ١٩٤٩ م) (بتصرف يسير)، ص ٣٨٦.

<<  <   >  >>