للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ساحة النبوة عندهم أوسع من ساحتها عند المسلمين، أو لعل منشأها أن يعقوب وداوود وسليمان وعيسى عليهم السلام لما كانوا أبناء الله، فلهم أن يفعلوا في مملكة أبيهم ما يشاءون بخلاف محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لما كان عبد الله بن عبد الله لا يجوز له أن يفعل في مملكة مالكه وسيده ما يشاء (١).

أخيرا: في رأيي أنه يجب أن يتفق قبل المناظرة على تحرير المصطلحات. وانتهى الكتاب حيث تم العمل عليه مدة خمسة شهور تقريبا حتى استيفاؤه.

[٢ - كتاب التنبيهات]

يتحدث في المقدمة أن أكثر أبناء هذا الزمان مالوا في إنكار الاحتياج إلى البعثة إلى رأي جمهور البراهمة والتناسخية؛ فاعتقدوا بأن العقل البشري كاف في تمييز الأشياء النافعة عن المضرة، ومالوا في إنكار الحشر مطلقا جمسانيا كان أو روحانيا إلى رأي القدماء من الفلاسفة الطبيعيين. ثم أورد التنبيهات اللازمة والتي كانت بمثابة القواعد التي يخططها رحمت الله في الاعتقاد والعمل به. وينبغي هنا التسليم بالتصديق البديهي كالتصديق النظري ولكي يكون أكثر دقة أعرف بهما:

- التصديق البديهي، وهو كل قصة لا يحتاج التسليم بمضمونها إلى نظر واستدلال، وربما احتاج إلى التنبيه فقط بالنسبة إلى الغافل عن كونه بدهيا أو الغافل عنه أصلا.

- التصديق النظري: وهو كله قضية لا يجزم العقل فيها بثبوت المحمول للموضوع أو نفيه عنه، إلا بعد النظر فيها والاستدلال عليها. كقولنا: خالق العالم أزلي أبدي (٢).

التنبيه الأول: أن الإنسان مدني بطبعه؛ يحتاج إلى قانون ينظم علاقاته مع الآخرين يتمثل في النبوة.

التنبيه الثاني: إن العقول متفاوتة؛ فالعقل غير كاف ولابد من الاحتياج إلى نبي.

التنبيه الثالث: التفكير في معجزات النبي وتكاليف الإله والحكم منها.

التنبيه الرابع: قد توجد في الشرائع أحكام تعبدية لا تظهر حكمة مشروعيتها للعقول القاصرة.

التنبيه الخامس: حصول الاطلاع على المغيبات الماضية والآتية للنبي لا تستنكره الفلاسفة ولا تحصل للشخص العادي إلا بطريق الرياضة والمجاهدة فكيف بالنبي.

التنبيه السادس: ظهور الأفعال الخارقة للعادة - من النبي- ليس بمستنكر عند الفلاسفة؛ حيث النفوس القدسية أعلى إرادة من النفوس العادية.

التنبيه السابع: إذا ظهرت المعجزة على يد مدعي النبوة، خلق الله العلم الضروري بصدقه - قطعا - على ما جرت به العادة، ولا تنافيه الاحتمالات الصرفة، والتجويزات العقلية المحضة؛ لأنها لا تنافي العلوم العادية الضرورية القطعية.


(١) المرجع السابق، ص ٣٩٢.
(٢) مرجع سابق: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة، (دمشق: دار القلم، ط ٤، ١٩٩٣ م)، ص ٤١٠.

<<  <   >  >>