للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونلاحظ أن كل القواعد مستمدة من القرآن الكريم في الأساس كمثل: قل هاتوا برهانكم - أو لم يتفكروا - ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها - لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ... الخ. ويجب على كل متناظر تحقيق كل النسخ المستعمله قبل الدخول في التناظر.

إن القواعد ليست بجديدة ولكن الجديد هو إبرازها وإيضاحها وأن تكون الفكرة موجودة قبل التناظر، وقد تتطور تلك القواعد الجديدة الموضوعة بناء على التجربة والمناظرات، كما يمكن أن تمتد إلى التطبيق في كافة المجالات المختلفة من جدل وتناظر.

- قواعد منهجية حديثة عند المناظرات -

دراسة بين الشيخ رحمة الله الهندي (ت: ١٨٩١ م) والقس فندر (ت: ١٨٦٥ م)

هذا هو العنوان المقترح إذا تم إخراج الدراسة في شكل كتاب والذي أسفرت عنه النتائج والتوصيات بصورة واضحة في هذا البحث؛ فلقد عملت على التطوير في مجال مقارنة الأديان، والدفاع عن الإسلام، فكما أسس الشيخ الفقيه - ابن حزم الأندلسي - أصول هذا العلم النقدي داخليا وخارجيا - من حيث السند والمتن - توسع فيه شيخ الإسلام - ابن تيمية - وطوره، ووجهه بشكل آخر دفاعي، يكتفي فيه بأن إثبات صدق الصادق دليل على كذب الكاذب، بالإضافة إلى ما قام به من جهود في نقض وهدم عقيدة التثليث.

وإن كان ابن حزم يرى أن كذب الكاذب يدل على صدق الصادق فإن الشيخ (رحمت الله الهندي) استفاد من المنهجين - الدفاعي والهجومي - لابن حزم وابن تيمية - رحمهما الله - فعمل على إثبات صدق الصادق من خلال: إثبات النبوة والقرآن، كما عمل على إثبات كذب الكاذب من خلال قضايا: التحريف والنسخ والتثليث، مطورا في منهج ابن حزم الجدلي والنقدي، ومعتمدا على تحديد أكبر للموضوعات المثارة بين الطرفين لتكون الحجة أقوى وأبلغ، كذلك عمد على الاستفادة من شارحي ومفسري الكتاب المقدس - كما فعل ابن حزم - ليدحض بالحجة والبرهان أساليب الافتراء والبطلان. كما قام رحمت الله الهندي بعد هجرته من الهند، وبعد الاحتلال البريطاني، وبعد جهاده هناك بالسيف والعلم والقلم وبعد المناظرة الكبرى مع القس (فندر)، بتأسيس المدرسة الصولتية بمكة المكرمة ليستمر العطاء، ويستمر تعليم وتفهيم الناس خطورة المستعمر والمبشر.

إلا أنه قد ظهرت في عصرنا الحديث محاولات أخرى عظيمة في هذا المجال: كأحمد ديدات ومن بعده ذاكر نايك في مجال الدفاع عن الإسلام ومقارنة الأديان والمناظرات، لكن الخط الذي سارا عليه لا يعد تطويرا منهجيا بل تطويرا شكليا، وأسلوبا دعويا لا أكثر؛ حيث إنهما اعتمدا منهج النص والحفظ أكثر من اهتمامهم بالأبواب والموضوعات ووضع وتأصيل للقواعد، كما اهتموا بالمناظرة على حساب المنهج، وبالدعوة - الجماعية أو الفردية - دون وضع قواعد محددة واضحة.

حاولت في بحثي هذا أن أضفي عليه سمة التجربة الواقعية المنشودة، والتي يمكن من خلالها الاستفادة بتحويل هذا المشروع العلمي إلى آخر دعوي، ومن خلال الاستفادة من تجارب السابقين لرحمت الله على المستوى الفردي أو التنظيمي، أو ممن تبعوه على نفس النسق أو خالفوه، كما عملت على الاستفادة من الجانب الآخر النصراني في وضع القواعد والأصول المطلوبة للدعوة في الفترات القادمة.

<<  <   >  >>