للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أبطل رحمت الله صدق عيسى عليه السلام من الإنجيل وشرح القواعد اللازمة لذلك قبل التحليل حيث قال: "لو تدبر أحد في كتبهم لما أمكن له الإذعان بكون عيسى مسيحاً موعوداً صادقاً، ولنمهد لبيان الملازمة أربعة أمور":

الأول: أن يواقيم بن يوشا لما أحرق الصحيفة التي كتبها باروخ من فم أرميا عليهم السلام، نزل الوحي إلى أرميا هكذا: " الرب يقول في ضد يواقيم ملك يهوذا أنه لا يكون منه جالس على كرسي داود" كما هو مصرح في الباب السادس والثلاثين من كتاب أرميا. والمسيح عندهم لا بد أن يكون جالساً على كرسي داود، ونقل لوقا أيضاً في الباب الأول من إنجيله قول جبريل لمريم عليهما السلام في حق عيسى عليه السلام "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه".

الثاني: إن مجيء المسيح كان مشروعاً بمجيء إيليا قبله، وكان من إنكار اليهود عيسى عليه السلام أن إيليا ما جاء، ومجيؤه أولاً ضروري وقد سلم عيسى عليه السلام أيضاً أن إيليا يجيء أولاً لكنه قال إنه قد جاء ولم يعرفوه، وإيليا أيضاً قد أنكر أني لست بإيليا.

الثالث: أن ظهور المعجزات وخوارق العادات عندهم ليس دليل الإيمان فضلاً عن النبوة ثم فضلاً عن الألوهية. في الآية الرابعة والعشرين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى قول عيسى عليه السلام هكذا: "سيقوم مُسَحاء كذَبَة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلوا لو أمكن المتارين أيضاً"، وفي الآية التاسعة من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي قول بولس في حق الدجال: "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة".

الرابع: أن من يدعو إلى عبادة غير الله، فهو واجب القتل بحكم التوراة وإن كان ذا معجزات عظيمة، ومدَّعي الألوهية أَشنعُ من هذا، ويدعو إلى عبادة غير الله لأنه غير الله يقيناً كما ستعرف في الباب الرابع مفصَلاً ومدلَّلاً، ويدعو إلى عبادة نفسه.

تحليل رحمت الله:

إن عيسى عليه السلام ولد يواقيم على حسب النسب المدرج في إنجيل متى، فلا يكون قابلاً لأن يجلس على كرسي داود بحكم المقدمة الأولى، ولم يجيء قبله إيليا لأن يحيى لما اعترف بأنه ليس بإيليا فالقول الذي يكون بخلافه لا يقبل، ولا يتصور أن يكون إيليا مرسلاً من الله ذا وحي وإلهام ولا يعرف نفسه، فلا يكون عيسى عليه السلام مسيحاً موعوداً بحكم المقدمة الثانية، وادعى الألوهية على زعم أهل التثليث، فيكون واجب القتل بحكم المقدمة الرابعة، والمعجزات التي نقلت في الأناجيل ليست بصحيحة عند المخالف أولاً، ولو سُلمت ليست دليلَ الإيمان فضلاً عن النبوة، فيكون اليهود مصيبين في قتله، والعياذُ بالله، وما الفرق بين هذا المسيح الذي يعتقده النصارى وبين مسيح اليهود، وكيف يُعلم أن الأول صادق والثاني كاذب، مع أن كلاً منهما يدعي الحقيقة لنفسه، وكلٌّ منهما ذو معجزات باهرة على اعترافهم فلا بد من العلامة الفارقة بحيث تكون حجة على المخالف، فالحمد لله الذي نجانا من هذه المهالك بواسطة نبيه وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى اعتقدنا أن عيسى ابن مريم عليهما

<<  <   >  >>