للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النسْخ في اللغة الإزالة، وفي اصطلاح أهل الإسلام بيان مدة انتهاء الحكم العملي الجامع للشروط؛ لأن النسخ لا يطرأ عندنا على القصص ولا على الأمور القطعية العقلية مثل أن صانع العالم موجود، ولا على الأمور الحسية مثل ضوء النهار وظلمة الليل، ولا على الأدعية، ولا على الأحكام التي تكون واجبة نظراً إلى ذاتها مثل آمنوا ولا تشركوا، ولا على الأحكام المؤبَّدة مثل {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} [النور: ٤] ولا على الأحكام المؤقتة قبل وقتها المعين مثل {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} [البقرة: ١٠٩] بل يطرأ على الأحكام التي تكون عملية محتملة للوجود والعدم غير مؤبدة وغير مؤقتة، وتسمى الأحكام المطلقة، ويشترط فيها أن لا يكون الوقت والمكلف والوجه متحدة، بل لا بد من الاختلاف في الكل أو البعض من هذه الثلاثة، وليس معنى النسخ المصطلح أن الله أمر أو نهى أو لاً وما كان يعلم عاقبته ثم بدا له رأيٌ فنسخ الحكم الأول ليلزم الجهل، أو أمر أو نهى ثم نسخ مع الاتحاد في الأمور المسطورة ليلزم الشناعة عقلاً. وليست قصة من القصص المندرجة في العهد العتيق والجديد منسوخة عندنا.

ثم يوضح ذلك بقوله: نعم بعضها كاذب مثل أن لوطاً عليه السلام زنى بابنتيه وحملتا بالزنا من الأب كما هو مصرح به في الباب التاسع عشر من سفر التكوين، أو أن يهود بن يعقوب عليه السلام زنى بثامار زوجة ابنه وحملت بالزنا منه وولدت توأمين فارض وزارح كما هو مصرح به في الباب الثامن والثلاثين من السفر المذكور، وداود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم من أولاد فارض المذكور كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى، أو أن داود عليه السلام زنى بامرأة أوريا، وحملت بالزنا منه فأهلك زوجها بالمكر وأخذها زوجة له كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني، أو أن سليمان عليه السلام ارتد في آخر عمره وكان يعبد الأصنام بعد الارتداد وبنى المعابد لها كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول، أو أن هارون عليه السلام بنى معبداً للعجل وعبده، وأمر بني إسرائيل بعبادته كما هو مصرح به في الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج.

هل كل القصص وأمثالها منسوخة؟

فيقول: "إن هذه القصص وأمثالها كاذبة باطلة عندنا ولا نقول إنها منسوخة، وكذا لا تكون الأدعية منسوخة فلا يكون الزبور الذي هو أدعية منسوخاً بالمعنى المصطلح عندنا، ولا نقول قطعاً إنه ناسخ للتوراة ومنسوخ من الإنجيل كما افترى هذا الأمر على أهل الإسلام صاحبُ ميزان الحق وقال إن هذا مصرح به في القرآن والتفاسير، وإنما منعنا عن استعمال الزبور والكتب الأخرى من العهد العتيق والجديد لأنها مشكوكة يقيناً بسبب عدم أسانيدها المتصلة وثبوت وقوع التحريف اللفظي فيها بجميع أقسامه كما عرفت في الباب الثاني، ويجوز النسخ في غير المذكورات من الأحكام المطلقة الصالحة للنسخ فنعترف بأن بعض أحكام التوراة والإنجيل من الأحكام التي هي من جنس الصالحة للنسخ منسوخة في الشريعة المحمدية ولا نقول إن كل حكم من أحكامهما منسوخة، كيف وإن بعض أحكام التوراة لم تنسخ يقيناً مثل: حرمة اليمين الكاذبة والقتل والزنا واللواطة والسرقة وشهادة الزور والخيانة في مال الجار وعرضه ووجوب إكرام الأبوين، وحرمة نكاح الآباء والأبناء والأمهات والبنات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وجمع الأختين وغيرها من الأحكام الكثيرة وكذا بعض أحكام

<<  <   >  >>