(البرهان الثالث) فرقة البروتستنت ترد على فرقة الكاثلك في استحالة الخبز إلى المسيح في العشاء الرباني بشهادة الحس وتستهزئ بها، فهذا الرد والهزء يرجعان إليهما أيضاً لأن الذي رأى المسيح ما رأى منه إلا شخصاً واحداً إنساناً، وتكذيب أصدق الحواس الذي هو البصر يفتح باب السفسطة في الضروريات، فيكون القول به باطلاً كالقول بالاستحالة.
أورد حكاية تفيد عدم معرفتهم بمعنى التثليث بدقة كما يدعونه:
نقل أنه تنصر ثلاثة أشخاص وعلمهم بعض القسيسين العقائد الضرورية سيما عقيدة التثليث أيضاً، وكانوا في خدمته فجاء محب من أحبَّاء هذا القسيس وسأله عمن تنصر؟ فقال: ثلاثة أشخاص تنصروا، فسأل هذا المحب: هل تعلموا شيئاً من العقائد الضرورية، فقال: نعم، وطلب واحداً منهم ليرى محبه فسأله عن عقيدة التثليث، فقال: إنك علمتني أن الآلهة ثلاثة أحدهم الذي هو في السماء والثاني تولد من بطن مريم العذراء والثالث الذي نزل في صورة الحمام على الإله الثاني بعد ما صار ابن ثلاثين سنة، فغضب القسيس وطرده، وقال: هذا مجهول، ثم طلب الآخر منهم وسأله فقال: إنك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة وصلب واحد منهم فالباقي إلهان، فغضب عليه القسيس أيضاً وطرده، ثم طلب الثالث وكان ذكياً بالنسبة إلى الأولين وحريصاً في حفظ العقائد فسأله فقال: يا مولاي حفظت ما علمتني حفظاً جيداً وفهمت فهماً كاملاً بفضل الرب المسيح أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد وصلب واحد منهم ومات فمات الكل لأجل الاتحاد، ولا إله الآن وإلا يلزم نفي الاتحاد!
ثم يتعجب رحمت الله من عقلاء الكاثلك ومَنْ تبعهم أنهم تارةً يبطلون حكم الحس والعقل معاً، ويحكمون أن الخبز والخمر اللذين حدثا بين أعيننا بعد مدة أزيد من ألف وثمانمائة سنة من عروج المسيح عليه السلام يتحولان في العشاء الرباني إلى لحمه ودمه حقيقة فيعبدونهما ويسجدون لهما، وتارةً يبطلون حكم العقل والبداهة وينبذون البراهين العقلية وراء ظهورهم، ويقولون: التثليث الحقيقي والتوحيد الحقيقي يمكن اجتماعهما في أمر واحد شخصي في زمان واحد من جهة واحدة، والعجب من فرقة البروتستنت أنهم خالفوهم في الأولى دون الثانية، فلو كان العمل على ظاهر النقل ضرورياً وإن كان مخالفاً للحس والعقل فالإنصاف أن فرقة الكاثلك خير من فرقتهم لأنها بالغت في إطاعة ظاهر قول المسيح عليه السلام حتى اعترفت بمعبودية ما يصادمه الحس والبداهة ... أورد رحمت الله سبعة براهين على ذلك.
الفصل الثاني: في إبطال التثليث بأقوال المسيح ((١)
أورد رحمت الله اثني عشر قولا، على سبيل المثال:
(القول الأول): في الآية الثالثة من الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا قول عيسى عليه السلام في خطاب الله هكذا: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته) فبين عيسى عليه السلام أن الحياة الأبدية، عبارة عن أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقي وأن عيسى عليه السلام رسوله. وما قال إن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقي وأن عيسى إنسان وإله، أو أن عيسى إله مجسم ولما كان هذا القول في خطاب الله في الدعاء فلا احتمال ههنا للخوف من اليهود فلو كان اعتقاد