قال القسيس: إن تحريفَ المتنِ يثبُتُ إذا وجدتُم نسخةً عتيقةً لا يكون فيها ذكر ألوهية المسيح عليه السلام ويوجد في هذه النسخة المتداولة الآن، ولا يكون فيها ذكر كفّارة المسيح ويوجد في هذه.
[- وهنا خروج آخر عن قواعد التناظر؛ لأن المفروض أن القاعدة تقول: رحمت الله معترضا وفندر مجيب وليس العكس، وبما أن رحمت الله قد أثبت التحريف، وتحول فندر إلى معترض؛ فأصبح يلزمه إثبات ذلك والجواب عليه، كما أن سند الكتاب المقدس لم يقدم، وكان الأمر يتطلب إثبات كيفية التحريف بضرب الأمثلة لا أكثر، فلما تبين ذلك لم يحتج الأمر إلى الوصول لإثبات نص التثليث؛ لأن النسخ الأصلية غير موجودة فضلا عن إثبات تحريف النسخ الحالية؛ فيلزم من تحريف البعض إمكان تحريف أي شيء آخر].
قال الفاضل النحرير: كان على ذِمَّتِنا هذا القدر فقط، أن نُثبِتَ كونَ هذه النسخة مشكوكة؛ فثبت بحمد الله، وصارَ الكتابُ كلُّه بهذا الإثبات مشكوكاً، لكنَّكم لما ادَّعَيتم سلامة بعض المواضع عن التحريف مع اعتراف وقوعه في بعض آخر؛ فإثبات تلك السلامة على ذِمَّتِكم لا على ذِمَّتِنا. وبقي أمرٌ آخر قابلٌ لأن يُسألَ عنه، وهو هذا: أَتُسَلِّمون أنّ سهواً من هذه السهوات التي هي مسلَّمة عندَكم، وهي تحريفات بعينها عندنا، يوجد في جميع النُّسَخ أم لا؟
[- استدراك خطير من رحمت الله، لكن كالعادة يخشى القس أن يجيبه بما لا يعلم فإذا أجاب في البعض لكان السؤال التالي إذن فعينها].
قال القسيس: نعم! مثل هذا السهو يوجَدُ في جميع النُّسَخ. فاعترض عليه القسيس فرنج؛ فقال القسيس فندر: غلطتُ، ورأي القسيس فرنج أحسن.
[-تدارك فندر الفكرة بعدما كان ذهنه مشوشا، وأراد الرجوع، وعلى الرغم من خطأ ذلك وتم إثباته إلا أن رحمت الله سمح له بالتراجع واستمر في التناظر].
قال القسيس: أجيبوني بالاختصار، أتُسلِّمون المتْنَ أم لا؟ فإنْ سَلَّمتم تكون المباحثة في الأسبوع الآتي؛ لأنا لا نستدلُّ في المباحثة الباقية إلا بالأدلَّة النقلية من هذا الكتاب، ونعلَمُ أن العقلَ محكومُ الكتاب، لا أنّ الكتابَ محكومُ العقل.
[-أغلق فندر الباب بإصراره، بل أغلق كل ما تلى من مناظرات؛ لأن أدلته في التثليث لم تكن مستندة على العقل بل النقل، وفي حد ذاته أنا أرى أن المناظرة قد تمت في التثليث بتلك العبارة وقد أبطل التثليث من ناحية العقل دون الخوض في الحديث فيه وبالتالي فتح الباب أمام الناظرين للاعتراف بتحريف الديانة وصرف النظر عنها لديانة أكثر سلامة وأمنا ومقبولة عقلا ومعتمدة نقلا].
قال الفاضل: لما ثَبَتَ الزيادةُ والنقصانُ في هذه الكُتُبِ على اعترافكم أيضاً، وثَبَتَ التحريفُ فيها، صارت مشتَبَهةً عندنا بهذا السَّبب، ولا نعتقدُ البَتَّةَ أنَّ الغَلَطَ لم يقع في المتْن، فلا يصحّ لكم أن تُورِدوا دليلاً من هذه الكتب علينا في المباحثة الآتية في مسألَتَي التثليث والنبوة؛ لأنه لا يكون حُجَّةً علينا.