للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمناظرة؛ لهذا جاءت دراسته للنصرانية: حافلة، شاملة، مستوعبة معظم قضاياها ومشكلاتها وأطروحاتها، فتراه وأنت تطالع مقالاته في النصرانية قد تسنم ذروة طود شامخ يشرف منه على آراء النصارى وعقائدهم وعباداتهم ملما بالنصرانية محيطا بمسالكها فيصف عن حس، ويفند عن بصيرة، ويمهد بكليات يشدها بأدلة الاستقراء من صحيح المنقول وصريح المعقول، حتى لنستطيع القول أن قوة المحجة، وصدق الحجة، ودحض الشبهة، هي أوضح سمات منهجه وأبين خصائص منهجه (١).

ليس له مصنف ولا نص في مسألة ولا فتوى إلا وقد اختار فيه ما رجحه الدليل النقلي والعقلي على غيره، وتحرى قول الحق المحض؛ فبرهن عليه بالبراهين القاطعة الواضحة الظاهرة ... وإذا نظر المنصف إليه بعين العدل يراه واقفا مع الكتاب والسنة لا يميله عنهما قول أحد كائنا من كان (٢).

ومن هنا لابد من التعرف على هؤلاء الأوائل في هذا الباب من المسلمين مثل: ابن حزم وابن تيمية - رحمهما الله تعالى - ولنبدأ بابن حزم:

يكتفي ابن حزم من النص بمعناه الأولي والبسيط والمباشر، بل والسطحي أحيانا، محكما المبادئ المنطقية ... فنحن أمام عقليتين متناقضتين تتحدثان لغتين مختلفتين تماما. ولا يخلو موقف ابن حزم من بعد أيديولوجي مرتبط بمناهضته للتيارات الباطنية في داخل الديانة الإسلامية وخارجها؛ حيث يرى أنها أسرفت في تأويل النصوص وألبستها من المعاني فوق ما تطيق ... إن ابن حزم لا يرفض المجاز مادام يوجد دليل عليه (٣).

ولا يقبل ابن حزم - وفق منهجه اللغوي المنطقي لفهم النصوص - التأويل الرمزي، الذي يفسح المجال - حسب رأيه - لفوضى تأويلية، نتيجة فقدان ذلك الرباط المقدس بين الألفاظ ودلالاتها. فكل فريق يوجه النص نحو وجهته الخاصة؛ فاليهود يؤولون النبوءات نفسها التي يستشهد بها النصارى، ويرون فيها حلمهم المسيحاني بعودة مجدهم القومي - الديني - الذي لم يتحقق بعد، والنصارى يرون فيها بشارات تحققت في المسيح والخلاص على يديه. وهكذا (٤).

يعتمد ابن حزم في الحديث عن النصارى على القواعد الآتية (٥):

١ - فهم الأناجيل على ظاهر الألفاظ - كما تدل عليه اللغة - وعدم اعترافه بتأويل الكنيسة وأحبارها، إذ يرى في ذلك نوعا من الخداع.

٢ - اعتبار كل كتاب يوجد الكذب في جزء من أجزائه مثل الكل من حيث الرد وعدم القبول.


(١) المرجع السابق، ص ٥.
(٢) عمر بن علي بن موسى البزار أبو حفص، الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، تحقيق: زهير الشاويش (بيروت: المكتب الإسلامي، ط ٣، ١٤٠٠ هـ). الفصل الثالث عشر.
(٣) عدنان المقراني، نقد الأديان عند ابن حزم الأندلسي، (أمريكا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط ١، ٢٠٠٨ م)، ص ١٦٥ (بتصرف يسير).
(٤) مرجع سابق: عدنان المقراني، نقد الأديان عند ابن حزم الأندلسي، ص ١٧٢.
(٥) د. محمود علي حماية، ابن حزم ومنهجه في دراسة الأديان، (القاهرة: دار المعارف، ط ١، ١٩٨٣ م). ص ٢٦٣. (بتصرف).

<<  <   >  >>