للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن فندر لاينطبق عليه صفة الباحث بشكل كامل في الإسلام على الرغم من أنه كان على استعداد للسماح لأي مطلع بتعديل آرائه، ففي طبعات لاحقة من كتابه الميزان شملت إشارات إلى العمل الرائد الذي أنتجه غوستاف ويل (١٨٠٨ - ١٨٨٩) م وهو أحد العلماء الأوربيين الأوائل اللذين طبقوا طريقة التاريخ النقدي على حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونشر عام ١٨٤٣ م كما قام بترجمة سيرة ابن هشام عام ١٨٦٤ م.

صور "ويل" محمدا - صلى الله عليه وسلم - على أنه مخدوع الصرع، وهو تشخيص ظهر - لاحقا - في العديد من الكتب في القرن التاسع عشر عن الإسلام. أعاد فندر هذا التصور؛ حيث ذكر أن السلوك العام يظهره كرجل حاد دقيق، ولكن بعض تصرفاته تشبه العقول الأخرى - غير المستقرة - وأن النجاح العسكري الذي تحقق في الإسلام مع غنيمة السيادة والازدهار غطت عقول صحابته عن أوجه قصوره، ومن بين تلك الأوجه هو موضوع تعدد الزوجات وطريقة معاملته مع الأعداء.

شملت ملاحظاته - كذلك - نجاح الإسلام في بيانه الملذات الحسية في الجنة ووعوده بها. بشكل عام كشف أن الإسلام هو دين السيف، والمسيحية هي دين السلام، كما ساورته الشكوك حول السند التاريخي للأحاديث، والتي اتفقت مع أغلب آراء المستشرقين.

إذا أردنا الحصول على أفضل فهم لنكهة الكتابة لدى فندر فعلينا عرض تلخيص حجة الميزان؛ حيث إن المقدمة تحوي القواعد الأساسية للأقسام الثلاثة التالية:

أولا: يرى فندر أن كلا من الإسلام والمسيحية تدعي أنها وحي الله النهائي، لكنه يجب أن يكون أحدهما على حق والآخر على باطل، والمنطق يرفض أن يكون كلاهما على حق، لذا يجب أن يحاكم مطلب كل منهما في شريط العقل.

ثانيا: حدد خمسة شروط مسبقة من الإيمان الحقيقي ..

- الايمان الحقيقي يوجب الوفاء بالرغبة الإنسانية نحو العفو والتبرير.

- يجب ألا يتعارض الضمير مع الأخلاق الطبيعية.

- يجب أن يكون الله عادلا ومقدسا ويكافئ بالخير ويعاقب بالشر.

- يجب أن يكون الله واحدا خالدا قاهرا عالما غير قابل للتغيير.

- طريق الخلاص يجب أن يتم في تقدم تدريجي في معرفة الله، أي أن الوحي يقف في المنتصف.

ثالثا: يتناول القسم الأول الكتاب المقدس، ورفض الاتهامات الإسلامية التقليدية للتحريف، ثم يعرض في القسم الثاني المذاهب المسيحية - في إطار معاييرها وإنشاء أساس عقلاني لها - وأخيرا في القسم الثالث يختبر ادعاءات الإسلام ويحدد مريديها، وبالتالي فإن القراء لديهم الاختيار بين الرب يسوع المسيح - والذي جال ليضع خيرا - وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي السيف.

إن نهج الخلفية الورعة لفندر جعلت هدفه واضحا، وهو تلبية الرغبة الروحية الشديدة- عند الناس- من الصفح، والتجديد، ومكافحة الشرك مع الله، بيد أن المعايير والاختبارات لديه جعلته يرفع السبب فوق الشعور، فعلى الرغم من رفضه - بشكل قاطع - السبب كوسيلة للحصول على معرفة الله في طبعاته الأولى للكتاب، إلا أنه في طبعات لاحقة يجادل في

<<  <   >  >>