للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سأل الخليفة المنصور مالكًا - رحمه الله - فقال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال له مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه الصلاة والسلام إِلى الله يوم القيامة؟ (١).

وقال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند القبر يدعو، ولكن يسلم ويمضي.

ولعل ذلك ليس اختلاف قول، وإِنما أمر المنصور بذلك لأن يعلم بما يدعو ويعلم آداب الدعاء بين يديه - صلى الله عليه وسلم -، فأمِنَ عليه من سوء الأدب فأفتاه بذلك، وَأفتَى العامةَ أن يُسلِّموا وينصرفوا، لئلا يدعوا تلقاء وجهه الكريم ويتوسلوا به في حضرته إِلى الله العظيم، فيما لا ينبغي الدعاء وفيمَا يكره أو يحرم، فمقاصد الناس وسرائرهم مختلفة وأكثرهم لا يقوم بآداب الدعاء ولا يعرفها (٢)، وقد


= ورواية ابن وهب عن مالك هذه يعارضها قوله في كتاب المبسوط للقاضي إِسماعيل البغدادي بعدم الوقوف عند القبر للدعاء وبالمضي بعد السلام مباشرة وسيأتي قوله هذا وشيكًا وهذا ما درج عليه ابن قدامة في (المغني: ٣/ ٥٥٨).
(١) أورد هذه الحكاية البدر بن جماعة ذاكرًا أن الحافظين ابن بشكوال وعياضًا روياها. (هداية السالك: ٣/ ١٣٨١) وهي في (المدارك: ٢/ ١٠١).
أما ابن تيمية فقد رد هذه الحكاية وجرح رواتها ونقد سندها وذكر أنها لم تنقل عن أحد من أصحاب مالك المعروفين بالأخذ عنه، وأنها تناقض مذهبه المعروف عنه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: ٦٦ - ٨٥ و ١٦٦).
(٢) برر المؤلف بهذا اختلاف الفتوى في هذا الموضوع، وعزاه إِلى اختلاف في الحال، ونفى عن الإِمام مالك - هنا - القول بإِباحة التوسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>