للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموتى، اشْرَأَبَّ لذلك المؤمنون وطَمِعُوا في أنْ يُعْطَى الكفارُ ذلك فيؤمنوا، فقال اللهُ: {أَفَلَمْ يَيْأَسْ الَّذِينَ آمَنُوا} [الرعد: ٢١] أي: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمانِ هؤلاء لعلمِهم أنَّ الله لو أرادَ أن يهديَهم لهداهُم، كما تقولُ: يَئِسْتُ من فلانٍ أنْ يُفْلِحَ، والمعنى: لِعِلْمِي به» (١).

وقد تبعَه في ذلكَ تلميذُه الفرَّاءُ (ت:٢٠٧)، فقال: «قال المفسِّرون: ييأس: يعلمْ. وهو في المعنى على تفسيرهِم؛ لأنَّ الله قدْ أوقعَ إلى المؤمنين أنَّه لو يشاءُ الله لهدى النَّاسَ جميعاً، فقالَ: أفلم ييأسوا علماً، يقولُ: يُؤَيِّسُهُم العلمُ، فكان فيهم العلمُ مُضْمَراً، كما تقول في الكلامِ: قدْ يَئِسْتُ منك ألا تفلحَ علماً؛ كأنك قلتَ: عَلِمْتُهُ عِلْماً.

وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس (٢) قال: ييأس في معنى يعلم لغة للنخع (٣).

قال الفرَّاءُ: ولم نجدْها في العربيةِ إلاَّ على ما فَسَّرْتُ ...» (٤).

وهذا منهجٌ غيرُ صحيحٍ، إذ الواردُ عنِ السَّلفِ في تفسيرِ لغةِ القرآنِ حُجَّةٌ يجبُ قبولُه. وعدمُ العلمِ بالشَّيءِ لا يلزم منه إنكارُه، كيف وقد روى الفرَّاء (ت:٢٠٧) هذا عن ابن عبَّاس (ت:٦٨)، ولو كان اعتبرَ عربيَّتَه لما قال: «ولم نجدها في العربيَّةِ إلاَّ على ما فسَّرتُ».

وقد اعترضَ عليه أبو حيَّان الأندلسيُّ (ت:٧٤٥)، فقال: «وأنكرَ الفرَّاءُ أن


(١) معاني القرآن، للنحاس (٣:٤٩٨).
(٢) غالب روايته التفسيرية عن ابن عباس في كتابه معاني القرآن من هذا الطريق، وهي طريق لا تصحُّ عن ابنِ عباسٍ، كما حكم العلماء عليها بذلك.
(٣) النخع: قبيلة من قبائل اليمن، تُنسب إلى النَّخَعِ بن عمرو بن عُلَةٍ، وقيل: اسمه جُبير، وسُمِّيَ النَّخَعُ؛ لأنه انتخع عن قومه؛ أي: ذهب وابتعد عنهم. ينظر: الاشتقاق، لابن دريد، تحقيق: عبد السلام هارون (ص:٣٩٧)، والإنباه على قبائل الرواة، لابن عبد البَرِّ (ص:١٢١).
(٤) معاني القرآن، للفراء (٢:٦٣ - ٦٤).

<<  <   >  >>