للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو علي (١) لأبي خليفة (٢): أجابه بالمسكت، قال له: إنَّ الشَّاعر قد يكذب ويصدق» (٣).

فهذا عمرُو بنُ عبيدٍ (ت:١٤٤) لم يجدْ بعدَ الاستدلالِ عليه بلغةِ العربِ إلاَّ هذه الحجَّةَ التي ذكرَها أبو عليٍّ الجُبَّائيِّ (ت:٣٠٣)، وليستْ هذه غريبةً على منهجه، إنْ صحَّ النقلُ عنه، إذ رُوِيَ عنه ما هو أشنعُ منْ ذلكَ (٤).

والعقلُ هو الأصلُ المقدَّمُ عند أهلِ البدعِ من المتكلِّمينَ، فما رأوه بعقولِهم ذهبوا إلى لغةِ العربِ واستنطقوها لإثباتِ بدعتِهم، واستخدموا في ذلكَ مجازاتِ اللُّغةِ.

قال ابن تيميةَ (ت:٧٢٨): «... ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات التي يحتاجون فيها إلى إخراج اللغات عن طريقتها المعروفة، وإلى الاستعانة بغرائب المجازات والاستعارات ...» (٥).

وقال: «... والذي اقتضى شهرةَ القولِ عنْ أهلِ السُّنَّةِ بأنَّ المتشابهَ: لا يعلمُ تأويلَه إلاَّ اللهُ، ظهورُ التَّأويلاتِ الباطلةِ منْ أهلِ البدعِ؛ كالجهميَّةِ، والقدريَّةِ من المعتزلةِ وغيرِهم، فصارَ أولئكَ يتكلمونَ في تأويلِ القرآنِ برأيهم


(١) هو الجُبَّائي.
(٢) ورد اسمه في كتاب المنية والأمل (ص:٧٠)، وهو نفس المصدر: أبو حنيفة، وفي بداية الرواية: «رويَ أن أبا علي ناظر بعضهم في الإرجاء، وأبو خليفة الزبير حاضران، فقال أبو خليفة: إن أبا عمرو بن العلاء لقي عمرو بن عبيد ...» القصة.
(٣) طبقات المعتزلة، للقاضي عبد الجبار (ص:٢٩٣ - ٢٩٤). من كتاب: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، إخراج: فؤاد السيد.
(٤) قال في حديث الصادق المصدوق: «إنَّ أحدكم ليُجمع خلقُه في بطن أمِّه أربعين يوماً ...» الحديث: «لو سمعت الأعمش يقول هذا، لكذَّبته، ولو سمعته من زيد بن وهب، لما صدَّقته، ولو سمعت ابن مسعود يقوله، ما قبلته، ولو سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا، لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا» لسان الميزان (٣:٢٧٨). وله شنائع غير ذلك، أسأل الله السلامة.
(٥) درء تعارض العقل والنقل (١:١٢).

<<  <   >  >>