فلما لم يكن في شيء مما ذكرنا من هذه الآثار دليل على وجوب الزكاة في الخيل السائمة، وكان فيها ما ينفي الزكاة منها ثبت بتصحيح هذه الآثار قول الذين لا يرون فيها زكاة فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.
وأما وجهه من طريق النظر، فإنا رأينا الذين يوجبون فيها الزكاة لا يوجبونها حتى تكون ذكورا وإناثا يلتمس منها صاحبها نسلها، ولا تجب الزكاة في ذكورها خاصة، ولا في إناثها خاصة، وكانت الزكوات المتفق عليها في المواشي السائمة تجب في الإبل والبقر والغنم ذكورا كانت كلها أو إناثا.
فلما استوى حكم الذكور خاصة في ذلك، وحكم الإناث خاصة وحكم الذكور والإناث، وكانت الذكور من الخيل خاصة، والإناث، منها خاصة لا تجب فيها زكاة، كان كذلك في النظر للإناث منها والذكور إذا اجتمعت، لا تجب فيها زكاة.
وحجة أخرى أنا قد رأينا البغال والحمير لا زكاة فيها وإن كانت سائمة، والإبل والبقر والغنم فيها الزكاة إذا كانت سائمة، وإنما الاختلاف في الخيل. فأردنا أن ننظر في أي الصنفين هي به أشبه، فنعطف حكمه على حكمه فرأينا الخيل ذوات حوافر، وكذلك الحمير والبغال هي ذوات حوافر أيضا، وكانت المواشي من البقر والغنم والإبل ذوات أخفاف، فذو الحافر بذي الحافر أشبه منه بذي الخف. فثبت بذلك أن لا زكاة في الخيل، كما لا زكاة في الحمير والبغال.
وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وهو أحب القولين إلينا، وقد روي ذلك عن سعيد بن المسيب.