فقد نفى رسول الله ﷺ العدوى في هذه الآثار التي ذكرناها، وقال: فمن أعدى الأول؟، أي: لو كان إنما أصاب الثاني لما أعداه الأول، إذا لمَا أصاب الأول شيء، لأنه لم يكن معه ما يعديه، ولكنه لما كان ما أصاب الأول إنما كان بقدر الله ﷿ كان ما أصاب الثاني كذلك.
فإن قال قائل: أفنجعل هذا مضادا لما روي عن النبي ﷺ: "لا يورد ممرض على مصح" كما جعله أبو هريرة ﵁؟.
قلت: لا، ولكن نجعل قوله:"لا عدوى" كما قال النبي ﷺ على نفي العدوى أن يكون أبدا، ونجعل قوله:"لا يورد ممرض على مصح" على الخوف منه أن يورده عليه فيصيبه بقدر الله ﷿ ما أصاب الأول، فيقول الناس: أعداه الأول.
فكره إيراد المصح إلى الممرض خوف هذا القول.
وقد روينا عن رسول الله في هذه الآثار أيضا وضعه يد المجذوم في القصعة، فدلّ فعل رسول الله ﷺ هذا أيضا على نفي الإعداء، لأنه لو كان الإعداء مما يجوز أن يكون إذًا لما فعل النبي ﷺ ما يخاف ذلك منه، لأن في ذلك جر الله التلف إليه، وقد نهى ﷿ عن ذلك، فقال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ وقد مر رسول الله ﷺ بهدف مائل فأسرع، فإذا كان يسرع من الهدف المائل مخافة الموت فكيف يجوز عليه أن يفعل ما يخاف منه الإعداء؟.