قال أبو جعفر فلما اختلفوا في ذلك وجب الكشف عما اختلفوا فيه لنستخرج من هذه الأقوال قولا صحيحا فرأينا الصدقة لا تخلو من أحد وجهين إما أن تكون حراما لا يحل منها إلا ما يحل من الأشياء المحرمات عند الضرورات إليها، أو تكون تحل إلى أن يملك مقدارا من المال، فتحرم على مالكه فرأينا من ملك دون ما يغديه، أو دون ما يعشيه كانت الصدقة له حلالا باتفاق الفرق كلها، فخرج بذلك حكمها من حكم الأشياء المحرمات التي تحل عند الضرورة.
ألا ترى! أن من اضطر إلى الميتة أن الذي يحل له منها هو ما يمسك به نفسه لا ما يشبعه حتى يكون له غداء، أو حتى يكون له عشاء. فلما كان الذي يحل من بخلاف ما يحل من الصدقة هو الميتة عند الضرورة: ثبت أنها إنما تحرم على مالك مقدار ما.
فأردنا أن ننظر في ذلك المقدار ما هو؟ فرأينا من ملك دون ما يغدي، أو دون ما يعشي لم يكن بذلك غنيا. وكذلك من ملك أربعين درهما، أو خمسين درهما، أو ما هو دون المئتي درهم فإذا ملك مئتي درهم كان بذلك غنيا؛ لأن رسول الله ﷺ قال لمعاذ بن جبل ﵁ في الزكاة "خذها من أغنيائهم، واجعلها في فقرائهم".