للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الجاحظ في مدح الكتب: «الكتاب وعاء مُلِيَء علمًا، وظرف حُشِيَ ظرفًا، وإناء شُحِنَ مزاحًا وجِدًّا؛ وإن شئت كان أعيا من باقل، وإن شئت كان أبلغ من سحبان وائل، وإن شئت ضحكت من نوادره، وإن شئت عجبت من غرائبه، وإن شئت ألهتك مضاحكه، وإن شئت أشجتك مواعظه. فالكتاب نعم الظهر والعمدة، ونعم الكنز والعدة، ونعم الذخر والعقدة، ونعم النزهة والعشرة، ونعم الشغل والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل، ونعم الوزير النزيل. وهو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك، والمستبيح الذي لا يستزيدك، والجار الذي لا يستطيلك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك. وهو الذي يطيعك بالليل طاعته بالنهار، ويفيدك في السفر إفادته في الحضر، لا يعتل بنوم ولا ضجر، ولا يعتريه كلال سهر، وهو المعلم الذي إذا افتقرت إليه لم يحتقرك، وإذا قطعت عنه المادة والمائدة لم يقطع عنك العادة والعائدة، وإن هبت ريح أعدائك لم ينقلب عليك، وإن قلّ مالك لم يترك زيارتك.

ثم قال: «ولولا ما رسمت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت في عجائب حكمتها، ودونت من محاسن سيرها، وفتنت من بدائع أثرها، حتى شاهدنا ما غاب عنا، وفتحنا كل مستغلق علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم ندركه إلا بهم».

ثم قال: «ولولا الكتب المدونة، والأخبار المفننة لبطل أكثر العلم، وغلب سلطان النسيان سلطان الفهم».

وقال مؤلف الكتاب: «حدثني صديق لي قال: قرأت على شيخ كتابًا فيه مآثر غطفان، فقال: ذهبت المكارم إلا من الدفاتر.

<<  <   >  >>