لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ تَأَذَّى جَارُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ تَنُّورًا وَحَمَّامًا وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَرَرْت بِطَالِحٍ فَحَذَفَ أَمْرُرْ وَبَقِيَ عَمَلُهُمَا.
وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ حُذِفَ فِيهِ بَعْدَ إنْ وَالْفَاءِ فِعْلَانِ وَحَرْفَا جَرٍّ بَاقٍ عَمَلَاهُمَا، وَالتَّقْدِيرُ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ قَامَ بِأَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ إذَا وَقَعَ جَوَابًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَامِلُهُ فِعْلًا عَامًّا لَكِنَّهُ لِكَوْنِهِ مَحْذُوفًا وُجُوبًا كَالْعَدَمِ، وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ لَا يَصْلُحُ لِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَلَوْ سَلِمَ فَسَادُ التَّقْدِيرِ فَإِنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْفَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ.
وَقَدْ نَقَلَ الزَّجَّاجُ فِي الْجُمَلِ وُقُوعَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ جَوَابًا لِلشَّرْطِ عَنْ سِيبَوَيْهِ حَيْثُ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِيمَنْ قَالَ: مَرَرْت بِرَجُلٍ صَالِحٍ إنْ لَا صَالِحٍ فَطَالِحٍ بِالْجَرِّ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ جَوَّزَهُ الزَّجَّاجُ غَيْرَ مَقْرُونٍ بِأَلْفَاظٍ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ مِمَّا خَفِيَ عَلَى كَثِيرِينَ وَقَدْ جَوَّزُوا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: ١٠٤] الْمَوْصُولِيَّةَ وَالشَّرْطِيَّةَ وَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَلِنَفْسِهِ أَبْصَرَ وَعَلَيْهَا عَمِيَ كَذَا أَفَادَهُ أُسْتَاذِي الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يُبَاعُ لِكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ.
(١١) قَوْلُهُ: لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ تَأَذَّى جَارُهُ إلَخْ.
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ الْأَجَلَّ بُرْهَانَ الْأَئِمَّةِ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّهُ إنْ كَانَ ضَرَرًا بَيِّنًا يَمْنَعُ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الشِّحْنَةِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ الْحِيطَانِ لِلْحُسَامِ الشَّهِيدِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ بُرْهَانَ الْأَئِمَّةِ هُوَ وَالِدُهُ فَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ ذَلِكَ الْبَزَّازِيُّ وَأَنَّ وَالِدَهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
ثُمَّ قَالَ: هَذَا جَوَابُ الْمَشَايِخِ، وَجَوَابُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْمَنْعِ ثُمَّ قَالَ أَصْحَابُ سَاحَةٍ فِي الْقِسْمَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا وَيَرْفَعَ الْبِنَاءَ وَمَنَعَهُ الْآخَرُ فَقَالَ: يَسُدُّ عَلَيَّ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ لَهُ الرَّفْعُ كَمَا شَاءَ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ حَمَّامًا وَتَنُّورًا، وَإِنْ كَفَّ عَمَّا يُؤْذِي جَارَهُ فَهُوَ أَحْسَنُ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ آذَى جَارَهُ أَوْرَثَهُ اللَّهُ دَارِهِ» وَجُرِّبَ فَوُجِدَ كَذَلِكَ وَقَالَ نُصَيْرٌ وَالصَّفَّارُ لَهُ الْمَنْعُ، وَلَوْ فَتَحَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ فِي عُلُوِّ بِنَائِهِ بَابًا أَوْ كُوَّةً لَا يَلِي صَاحِبُ السَّاحَةِ مَنْعَهُ بَلْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ حَتَّى يَسْتُرَ جِهَتَهُ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute