للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت وَنَوَى السَّفَرَ الْمُتَنَوِّعَ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَضَاءً؛ لِأَنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْعَامِّ وَهِيَ تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ وَالْمَذْكُورِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَعَلَيْهَا اعْتَمَدَ الْخَصَّافُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَفْعُولَ فِعْلِهِ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلْفُوظًا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَسْتَدْعِيهِ وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَحَلًّا فَصَحَّتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَصْدُقُ قَضَاءً.

وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْفِعْلُ وَلَا عُمُومَ لَهُ، كَذَا نُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْفِعْلَ وُجُودُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِقَدْرِ مَا بَاشَرَهُ وَالْمَفْعُولُ لَيْسَ بِثَابِتٍ لَفْظًا، وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَإِنْ قِيلَ: الْفِعْلُ فِيمَا لَوْ قَالَ إذَا اغْتَسَلْت وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لَكِنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ وَمُسْتَحَبٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يُجَوِّزَ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ نَظَرًا إلَى أَنْوَاعِهِ قُلْنَا هَذَا التَّنَوُّعُ شَرْعِيٌّ وَالْأَلْفَاظُ وُضِعَتْ بِإِزَاءِ مَعَانِي الْحَقِيقَةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ لِتَقَدُّمِ وَضْعِهَا.

وَالتَّخْصِيصُ إنَّمَا يَجْرِي فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ لَا الْعَارِضِيِّ وَإِنْ ذَكَرَ مَعَ كُلِّ فِعْلٍ مَفْعُولًا بِأَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً أَوْ إنْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ إنْ اغْتَسَلَ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَفَاعِيلِ الْمَذْكُورَةِ نَكِرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ فَيَعُمُّ فَيَجُوزُ فِيهِ التَّخْصِيصُ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَإِرَادَةِ بَعْضِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

{ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ} [البقرة: ٢٦٠] الْآيَةَ.

وَكَانَتْ أَرْبَعَةَ جِبَالٍ لَكِنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ خِلَافُ الظَّاهِرِ.

(٤٣) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت وَنَوَى السَّفَرَ إلَخْ يَعْنِي أَنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ مَعَ الْفِعْلِ.

وَقَوْلُهُ أَوْ نَوَى السَّفَرَ الْمُتَنَوِّعَ صَوَابُهُ: وَنَوَى السَّفَرَ لِلتَّنَوُّعِ كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَيْ لِتَنَوُّعِ الْخُرُوجِ وَهُوَ يَرِدُ نَقْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ فِعْلِ الِاغْتِسَالِ مَعَ تَنَوُّعِهِ إلَى فَرْضٍ وَغَيْرِهِ.

وَبَيَانُ النَّقْضِ أَنَّهُ فِعْلٌ ذُكِرَ وَحْدَهُ وَاعْتُبِرَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ لِتَنَوُّعِهِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ فِي فِعْلِ الِاغْتِسَالِ مَعَ تَنَوُّعِهِ، حَتَّى قَالَ الْقَاضِي أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ الصَّفَّارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>