وَكَذَا الْكِتَابَةُ. ٦٣ - وَالْعِلْمُ وَالْبِشَارَةُ عَلَى الصِّدْقِ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
(٦٢) قَوْلُهُ: وَكَذَا الْكِتَابَةُ أَيْ الْكِتَابَةُ كَالْخَبَرِ يَقَعُ عَلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ تَارَةً يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَتَارَةً يَكُونُ بِالْقَلَمِ فَكَمَا أَنَّ الْخَبَرَ وَهُوَ الْكَلَامُ الدَّالُّ عَلَى وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الصِّدْقِ، فَكَذَا الْكِتَابَةُ إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ بَعْضِ الْحُرُوفِ إلَى بَعْضٍ فَإِذَا كَتَبَ إلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَتْ الْحَقِيقَةُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا وَحُصُولُ الْعِلْمِ مِنْ ثَمَرَاتِهَا وَبِانْعِدَامِ الثَّمَرَةِ لَا يَنْعَدِمُ الْأَصْلُ كَالْخَبَرِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ كَتَبْت إلَيَّ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَعَبْدِي حُرٌّ، لَا يُشْتَرَطُ الصِّدْقُ حَتَّى لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ قَدِمَ فَلَمْ يَصِلْ الْكِتَابُ إلَيْهِ حَتَّى قَدِمَ أَوْ وَصَلَ قَبْلَ قُدُومِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمُطْلَقٍ وَقَدْ وُجِدَ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ كَتَبْت إلَيَّ بِقُدُومِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ بِالصِّدْقِ فَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ وَالْكَاتِبُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ عَتَقَ الْعَبْدُ بَلَغَ الْكِتَابُ إلَى الْحَالِف أَوْ لَا؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا وَقْتَ الْكِتَابَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَمَلُهُ وَلَا وُصُولُ كِتَابِهِ.
(٦٣) قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ وَالْبِشَارَةُ عَلَى الصِّدْقِ.
كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَالْأَعْلَامُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْبَابِ وَالْوَاوُ فِيهِ ابْتِدَائِيَّةٌ لَا عَاطِفَةٌ وَفِي الْبِشَارَةِ عَاطِفَةٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ عَلَى الصِّدْقِ خَبَرُهُمَا أَيْ الْعِلْمُ وَالْبِشَارَةُ لَا يَقَعَانِ إلَّا عَلَى الصِّدْقِ، سَوَاءٌ وَصَلَا بِالْبَاءِ أَمْ لَا أَمَّا الْعِلْمُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِعْلَامُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَإِحْدَاثِهِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ جَاهِلًا بِالْمُعَلَّمِ بِهِ لِتَحَقُّقِ حَدِّ الْعِلْمِ عِنْدَهُ وَتَحْصِيلِهِ لَدَيْهِ وَأَمَّا الْبِشَارَةُ فَلِأَنَّهَا اسْمٌ لِخَبَرٍ صَادِقٍ سَارٍّ تَتَغَيَّرُ بِهِ الْبَشَرَةُ وَلَيْسَ عِنْدَ الْمُبَشَّرِ عِلْمٌ بِالْمُبَشَّرِ بِهِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ اسْمًا لِخَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ سَارًّا كَانَ أَوْ ضَارًّا، لَكِنَّهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّغْيِيرِ مِنْ الْفَرَحِ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لَا يُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَيْرُهَا، فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهَا الصِّدْقُ كَالْخَبَرِ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْبَشَرَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِالصِّدْقِ يَحْصُلُ بِالْكَذِبِ، قُلْنَا: الْخَبَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا لَا يَكُونُ تَبْشِيرًا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْبَشَرَةِ نَاشِئٌ عَنْ السُّرُورِ الْحَاصِلِ فِي الْقَلْبِ أَوَّلًا، وَذَلِكَ نَتِيجَةُ الصِّدْقِ إذْ هُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ حَتَّى قِيلَ: إنَّ الْخَبَرَ السَّارَّ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ اسْمُ الْبِشَارَةِ حَقِيقَةً لِتَوَهُّمِ الْكَذِبِ وَإِنْ كَانَتْ الْبَشَرَةُ تَتَغَيَّرُ بِهِ مَا لَمْ يَقِفْ الْمُبَشِّرُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَيَطَّلِعْ عَلَى كَوْنِهِ صَادِقًا فَحِينَئِذٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبِشَارَةِ حَقِيقَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute