للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

(٦٤) قَوْلُهُ: فِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ. كَلِمَةُ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ لُغَةٌ كَزَيْدٍ فِي الدَّارِ وَالثَّوْبِ فِي الْجَوَابِ فَإِنْ أَدْخَلَهَا فِي ظَرْفِ الْمَكَانِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ أَوْ فِي الْكُوفَةِ يَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان، فَإِذَا وَقَعَ فِي مَكَان فَهُوَ وَاقِعٌ فِي الْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا فَكَانَ تَنْجِيزًا، إلَّا أَنْ يَقُولَ: عَنَيْت إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَيَصْدُقُ دِيَانَةً إذْ هُوَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَّى بِالْمَكَانِ عَنْ الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ أَوْ أَضْمَرَ الْفِعْلَ فِي كَلَامِهِ وَكِلَاهُمَا مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ، فَالْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الْمُجَاوَرَةِ كَالْغَائِطِ وَالثَّانِي مِنْ بَابِ جَعْلِ الْمَحْذُوفِ كَالْمَنْطُوقِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] الْآيَةَ. وَإِنْ أَدْخَلَهَا عَلَى ظَرْفِ الزَّمَانِ وَهُوَ مَاضٍ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَوْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ فِي زَمَنِ الْمَاضِي، وَقَدْ وَصَفَهَا فِي الْحَالِ بِطَلَاقٍ وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْمَاضِي فَيَقَعُ فِي الْحَالِ وَكَذَا إنْ كَانَ الزَّمَانُ حَاضِرًا مِثْلَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ أَوْ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِصِفَةٍ مَوْجُودَةٍ.

وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ مُسْتَقْبَلًا لَا يَقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّمَانِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ لِذَلِكَ وَإِذَا اخْتَصَّ بِالزَّمَانِ لِمَا ذَكَرْنَا وَوَصَفَهُ بِزَمَانٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ كَمَا إذَا وَصَفَهُ بِشَرْطٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعَلُهَا لِلظَّرْفِيَّةِ بِأَنْ دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ أَعْنِي الْمَصْدَرَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارِ تُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيقِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ وَذَلِكَ لِمَا بَيْنَ الظَّرْفِ وَالشَّرْطِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الْجَامِعَةِ وَهِيَ أَنَّ الظَّرْفَ يُقَارِنُ الْمَظْرُوفَ مُقَارَنَةً لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا مَعَهَا زَمَانًا، وَكَذَلِكَ الشَّرْطُ مَعَ الْمَشْرُوطِ لَكِنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَقِيمُ ذِكْرُهَا مَعَ الْمَشْرُوطِ لَوْ حُمِلَتْ كَلِمَةُ (فِي) عِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِيَّةِ عَلَى التَّعْلِيقِ كَمَا ذُكِرَ وَلَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ بَلْ جُعِلَتْ عِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِيَّةِ بِمَعْنَى مَعَ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي لِلْمُقَارَنَةِ مِثْلَ مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: ٢٩] وَكَقَوْلِهِمْ دَخَلَ الْأَمِيرُ فِي جَيْشِهِ أَيْ مَعَهُمْ، وَكَلِمَةُ مَعَ تُفِيدُ التَّعْلِيقَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِك الدَّارِ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>