الْأَوَّلُ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
هُنَا عُرْفِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْعُرْفِ بِالْمِلْكِ ثُبُوتُ الْغِنَى؛ وَلِهَذَا يَقُولُ النَّاسُ فِي تَخَاطُبِهِمْ: فُلَانٌ يَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا، وَمُرَادُهُمْ إثْبَاتُ غِنَاهُ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِمِلْكٍ مُتَفَرِّقٍ. وَمِنْهُ يَقُولُ الرَّجُلُ لِنَفْيِ الْغِنَى: مَا مَلَكْت فِي عُمْرِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يُرِيدُ مَا اجْتَمَعَتْ فِي مِلْكِي؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا مَلَكَ مُتَفَرِّقًا أَضْعَافَ ذَلِكَ وَلَا عُرْفَ فِي الْمُعَيَّنِ وَالْمُشْتَرَى كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ إلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فَقَالَ: إنْ مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ مَلَكْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَهِيَ صَدَقَةٌ، فَمَلَكَهَا مُتَفَرِّقًا عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ.
وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا عُرْفَ فِيهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا مَلَكَ عَبْدًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَلَى صِفَةِ التَّفَرُّقِ لَا يُسْتَحْسَنُ قَوْلُهُ فِي الْعُرْفِ مَا مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ أَوْ هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ، فَإِذَا انْتَفَى فِي الْمُعَيَّنِ التَّقْيِيدُ الْعُرْفِيُّ بَقِيَ اللَّفْظُ عَلَى إطْلَاقِهِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي الْحِنْثِ بَيْنَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُعَيَّنَ حَاضِرٌ وَالِاجْتِمَاعُ وَصْفٌ وَالْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ بِخِلَافِ الْمُنَكَّرِ، فَإِنَّ الْوَصْفَ فِيهِ مُعْتَبَرٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا أَوْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ وَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي الْمِلْكِ إنَّمَا تَقَيَّدَ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ. لَكَانَ الْعُرْفُ، وَلَيْسَ فِي الشِّرَاءِ عُرْفٌ مُقَيَّدٌ بَلْ الْعُرْفُ فِيهِ عَلَى وِفَاقِ الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَسْتَجِيزُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت مِائَةَ جَارِيَةٍ وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاؤُهُنَّ مُتَفَرِّقًا وَكَذَا لَوْ قَالَ إذَا اشْتَرَيْت بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ ثُمَّ بِدِرْهَمٍ حَتَّى اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا فَوَجَبَ حِينَئِذٍ إجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى إطْلَاقِهِ فَصَارَ الْمُعَيَّنُ وَغَيْرُهُ وَالْمُجْتَمِعُ وَالْمُتَفَرِّقُ فِي الْحِنْثِ سَوَاءً، فَلَمَّا عَنَى بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ أَوْ بِالْعَكْسِ صَدَقَ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْمِلْكِ. وَلَا خَفَاءَ فِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ لِافْتِقَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ أَمَّا افْتِقَادُ الْعِلَّةِ فَلِأَنَّ الْعِلَلَ لَمْ تُشْرَعْ لِذَوَاتِهَا بَلْ لِأَحْكَامِهَا، وَأَمَّا افْتِقَارُ الْحُكْمِ فَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعِلَّةٍ فَلِذَلِكَ جَازَ اسْتِعَارَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِخِلَافِ السَّبَبِ الْمَحْضِ مَعَ الْحُكْمِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، لَكِنَّهُ إذَا ادَّعَى بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ. وَفِي عَكْسِهِ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ.
(٦٦) قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ أَيْ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ أَمَّا كَوْنُهُ فَرْدًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ لُغَةً.
وَلِهَذَا يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَأَمَّا كَوْنُهُ سَابِقًا غَيْرَهُ فَلِأَنَّهُ بِالسَّبْقِ اسْتَحَقَّ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute