. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[غمز عيون البصائر]
يَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ الصَّرَّافِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِالْخَطِّ وَأَنْكَرَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ سِيَّمَا وَالْعَادَةُ وَضْعُ التُّجَّارِ أَمْوَالَهُمْ عِنْدَ الصَّرَّافِينَ بِلَا إشْهَادٍ بَلْ يُكْتَفَى بِخَطِّهِ وَالْخَطُّ وَالدَّرَاهِمُ عِنْدَ الصَّرَّافِ مُحْتَفَظٌ عَلَيْهِمَا فَيُؤْمَنُ مِنْ التَّزْوِيرِ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَصْنَعَ الْإِنْسَانُ خَطَّهُ فِي دَرَاهِمَ عِنْدَهُ إنَّهَا لِغَيْرِهِ، وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ (انْتَهَى) .
وَتَعَقَّبَهُ الْمَرْحُوم قَاضِي الْقُضَاةِ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ فِيهِ مَا يُقْبَلُ وَفِيهِ مَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الصَّرَّافُ كَوْنَهُ مَشْغُولَ الذِّمَّةِ أَوْ الْيَدِ مِمَّا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ سِيَّمَا، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْكِتَابَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَلَّفْت فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَاتِ عَلَى الْخَطِّ كُرَّاسَةً مُهِمَّةً يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا تَشْتَمِلُ عَلَى تَحْرِيرِ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ (انْتَهَى) .
وَحَاصِلُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْكُرَّاسَةُ أَنَّهُ رَفَعَ الْيَدَ سُؤَالٌ عَنْ مُسْتَنَدٍ بِطَرِيقِ الشَّهَادَاتِ عَلَى الْخَطِّ عِنْدَ حَاكِمٍ مَالِكِيِّ الْمَذْهَبِ، وَحَكَمَ بِهِ مُسْتَوْفِيًا الشَّرَائِطَ الشَّرْعِيَّةَ، وَنَفَّذَهُ حَاكِمٌ حَنْبَلِيٌّ يَرَى جَوَازَهُ، وَصَرَّحَ فِي تَنْفِيذِهِ بِأَنَّهُ قَضَى بِهِ وَأَمْضَاهُ، وَأَنَّهُ طَلَبَ مِنْ الْحَنَفِيِّ تَنْفِيذَ حُكْمِ الْحَنْبَلِيِّ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ عِنْدَهُ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْجَوَابَ عَنْ امْتِنَاعِهِ هَلْ لَهُ وَجْهٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَنْفُذُ هَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بَعْدَ تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ، وَهِيَ أَنَّ عُلَمَاءَنَا قَسَّمُوا الْحُكْمَ بِثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يُرَدُّ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ مَا خَالَفَ قَطْعِيَّ الْكِتَابِ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ زَوْجَةِ الْأَبِ أَوْ مَوْطُوءَتِهِ بِمِلْكِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] وَالسُّنَّةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْإِجْمَاعُ وَقِسْمٌ يَمْضِي بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ وَقِسْمٌ ثَالِثٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ، وَهُوَ مَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْفُذُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ.
وَذَكَرَ أَنَّ جَدَّهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَكَانَ خِتَامَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قَضَى بِهِ بَيَانًا لِتَرْجِيحِهِ لِنُفُوذِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ لَيْسَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَطْعًا بَلْ هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الثَّالِثِ، وَقَدْ قَضَى بِهِ حَنْبَلِيٌّ، وَأَجَادَ حَيْثُ صَرَّحَ فِي التَّنْفِيذِ بِأَنَّهُ قَضَى بِهِ وَأَمْضَاهُ فَكَانَ حُكْمُ الْحَنْبَلِيِّ وَاقِعًا فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِ الْحَنَفِيِّ حِينَئِذٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute