للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

مَهْجُورٌ فَلَا يُعْتَبَرُ بِمُقَابَلَةِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكِتَابِ اللَّهِ {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ كَانَ الْقَضَاءُ بَاطِلًا فَإِذَا وَقَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ خَطُّ أَبِيهِ لَا أَنَّهُ يَشْهَدُ بِأَنَّ هَذَا خَطُّ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ، وَعُلِّلَ بِأَنَّ الِابْنَ يَكُونُ خَلِيفَةَ الْمَيِّتِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، يَعْنِي فَيَكُونُ خَلِيفَةً فِي أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ أَبُوهُ إذْ لَا مَدْخَلَ لِهَذَا التَّعْلِيلِ هُنَا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْخِلَافِ فِي شَهَادَةِ الْغَيْرِ عَلَى الْخَطِّ حَتَّى يَسْتَوِيَ مَعَ الِابْنِ فِيهَا وَبِهَا يَنْفَصِلُ الِابْنُ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ شَهِدَ بِمَا شَهِدَ بِهِ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ قَدْ فَرَضَ أَنَّهُ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مَسْأَلَةَ النِّزَاعِ بِنَصِّ هَذَا الْإِمَامِ الْعَظِيمِ الشَّأْنِ الْمُعْتَمَدِ قَوْلَهُ فِي الْمَذْهَبِ فَلَا عِبْرَةَ بِحَمْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ.

هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ مَسْأَلَتِنَا، وَأَمَّا كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَشْهَدُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ، وَلَا يُطَّرَدُ فَإِنَّ أَوَّلَ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَا أَسْتَحْضِرُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ: أَنَّهُ بَعْدَ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ ذَكَرَهُ فِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ.

وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَنْفُذُ مُطْلَقًا، وَهَذَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَنْفُذُ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ النَّفَاذِ إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ آخَرُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَضَاءَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ تَنْفِيذُهُ يَكُونُ قَضَاءً فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ نَافِذًا بِالِاتِّفَاقِ.

فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَافِذٍ وَلَوْ نَفَّذَهُ أَلْفُ حَاكِمٍ.

قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ: قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ثُمَّ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ لَا يَرَاهُ جَازَ لَهُ إبْطَالُهُ فَإِنْ رُفِعَ قَبْلَ إبْطَالِهِ إلَى حَاكِمٍ يَرَى جَوَازَهُ فَنَفَّذَهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ جَائِزًا إبْطَالُهُ.

وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا مِنْ هَذَا الْوَادِي، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالنَّوَازِلِ أَنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَكُونُ حُكْمًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ أَضَافَ إلَى الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ (انْتَهَى) .

ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ هَهُنَا نَشْرَعُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ مِمَّا يَتَوَقَّفُ أَوْ يَنْفُذُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، فَنَقُولُ: إمَّا بَيَانُ كَوْنِهِ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا قَطْعِيًّا مِنْ الْكِتَابِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ فِيهِ شَاهِدَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>