فقوله «هذا» اشارة تدل على القرب فكأنه يشير إلى ما هو على مرأى من عيونهم، ومسمع من آذانهم، وبين متناول أيديهم، وصراط تدل على الطريق المسلوكة التي تفضي بسالكها إلى حيث يختار لنفسه من مذاهب ولكن الطريق قد تكون معوجة ملتوية كثيرة المنعطفات فيتيه السالك في متاهاتها وتلتبس عليه أوجه الاستهداء في سلوكها فجاء بكلمة «مستقيم» والمستقيم هو أقصر بعد بين نقطتين وأقل انحراف يخرجه عن سنن الاستقامة وحدودها وكلمة «علي» تعني الإلزام والإيجاب تقول علي عهد الله لأفعلن كذلك فتشعر أنك قد ألزمت نفسك بما هو حق مفروض الأداء ثم ان الاشارة تضمنت كل ما يحتويه الاستثناء فيما بعد وهو قوله «الا عبادك منهم المخلصين» فكأنه أخذ على نفسه وأوجب على ذاته حقا لا انفكاك له عنه وهو تخليص المخلصين من إغوائه، وقد تضمن تعريف المخلصين أيضا ما يؤكد هذا المعنى ويجعله مستقرا في الذهن لأن التعريف فيه مع تحقيق الصفة للموصوف وهي الإخلاص تفخيم لشأنهم وبيان لمنزلتهم ولانقطاع مخالب الإغواء عنهم، وفل معاول النقد ان تتوجه إليهم، فهذه الآية كلمات قليلة وقد احتوت على هذه الأغراض ولا بد لنا من أن نعرض نماذج من غير القرآن لا لأنها ترقى الى مستواه ولكن لأنها تدور في فلكه وتحوم حوله وتستقي من مناهله استمع الى هذه القصة العجيبة:
لما أرسل المهلب بن أبي صفرة أبا الحسن المدائني الى الحجاج ابن يوسف يخبره أخبار الأزارقة كلمه كلاما موجزا كالذي نحن بصدده هنا وذلك ان الحجاج سأله فقال كيف تركت المهلب؟ فقال أدرك ما أمّل وأمن مما خاف فقال: كيف هو لجنده؟ قال: والد رءوف، قال: كيف جنده له؟ قال: أولاد بررة، قال: كيف رضاهم عنه؟