قال: وسعهم بفضله، وأغناهم بعدله، قال: كيف تصنعون إذا لقيتم العدو؟ قال: نلقاهم بجدنا ويلقوننا بجدهم، قال: كذلك الجد إذا لقي الجد، قال فأخبرني عن بني المهلب قال: هم أحلاس القتال بالليل، حماة السرج بالنهار قال: أيهم أفضل؟ قال: هم كحلقة مضروبة لا أيعرف طرفاها فقال الحجاج لجلسائه: هذا هو والله الكلام الفضل الذي ليس بمصنوع. وتأمل وصف الحجاج للكلام فقد وصف الكلام الموجز البليغ بما يدانيه في الإيجاز والبلاغة ولا غرو فالحجاج كان آية في إتقان اللغة ومعرفة خصائصها، روى الزجاج في أماليه قال: «أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي قال: أربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل:
الشعبي وعبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف وابن القريّة، والحجاج أفصحهم، قال يوما لطباخه: اطبخ لنا مخلّلة وأكثر عليها الفيجن (أي السذاب وهو نبات ورقه كالصعتر) واعمل لنا مزعزعا فلم يفهم عنه الطباخ فسأل بعض ندمائه فقال له: اطبخ له سكباجا وأكثر عليها من السذاب واعمل له فالوذا سلسا. وسترى نماذج من الإيجاز في أماكن كثيرة يتم بها شرط الكتاب.
٢- الاستثناء في قوله تعالى:«فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس» فإن هذا الاستثناء لو لم يتقدم لفظه هذا الاحتراس من قوله كلهم أجمعون لا حتمل- كما أشرنا في الاعراب- أن يكون في الملائكة من لم يسجد فيتأسى به إبليس ولا يكون منفردا بهذه الكبيرة لاحتمال أن تكون آلة التعريف للعهد لا للجنس فلما كان هذا الاشكال يتوجه على الكلام إذا اقتصر فيه على ما دون التوكيد وجب الإتيان بالتوكيد ليعلم أن آلة التعريف للجنس فيرتفع هذا الإشكال بهذا